خلاصات حول الديمقراطية والتفكير مع الإغريق
عبد الكريم وشاشا/المغرب
في القرن السادس قبل ميلاد المسيح، كانت أثينا إما تحت حكم العائلات الكبيرة للمدينة (الأوليغارشيا)، أو يقودها حاكم واحد ووحيد (الطاغية أو المستبد).
وقد قام كليستين Clisthène – وهو أحد زعماء الأحزاب أب الديمقراطية في اليونان القديمة – بتغيير جدري للسلطة، بتقسيمه المدينة إلى 10 قبائل يختار منها أعضاء المجلس، وقد أسند لمجلس المواطنين الإكليسيا- L’Ecclesia مهمة التصويت على القوانين، وقرار إعلان حالة الحرب أو السلم، وتداول العملة الوطنية، والنظر في جرائم الدولة، وانتخاب القادة العسكريين، وخازن المال..
والجميع يمكن له التعبير، ومن جاء دوره في الكلام، ليتكلم بحرية فالإلهة تحميه، ولا أحد يستطيع لمسه..
وبعد قرن من الزمان، عندما اندلعت الحروب بين الفرس أو بين اسبرطة تعزز دور المواطنين المعدمين الذين ساهموا بشكل كبير في انتصارات المدينة.
أما بريكليس – أعظم الساسة في اليونان القديمة ومن الإصلاحيين الأفذاذ – فقد منح تعويض لأي كان يسمح له في المشاركة وفي تدبير الخدمات العامة..
فالديمقراطية الأثينية تقوم أساسا على ثلاثة مبادئ أساسية كبرى:
– حق كل المواطنين في الكلام والتعبير.
– إمكانية الوصول إلى تقلد كل المناصب والوظائف العامة (إما عبر الانتخاب أو سحب القرعة) .
– مساواة الجميع أمام القانون.
حسب أصل الكلمة، فالديمقراطية هي الحكم المباشر (كراتوس) حكم الشعب من أجل الشعب (ديموس) وهو التعريف الذي التقطه رئيس الولايات المتحدة أبراهام لنكولن والذي يدافع عن:
“حكم الشعب، بواسطة الشعب، ومن أجل الشعب “..
في نظام ديمقراطي، المحكومون يفترضون أنهم في نفس الوقت حاكمين، مشاركين في أهم القرارات منخرطين في الحياة السياسية للمدينة.
لأن الشعب هو موضوع (يخضع للسلطة) وفي نفس الوقت، صاحب سيادة (فهو مصدر السلطة) لأن الأنظمة الديمقراطية من المفترض أن تعمل لصالح الجميع..
فهذه المنظومة السياسية اليوم هي مرتبطة بحقوق الإنسان، تعمل على مبدأ فصل السلط وسيادة مقيدة مع مؤسسات تدبر الخلافات بطرق سلمية..
تقوم على التصويت الشعبي، بمعنى انتخابات حرة ونزيهة ومنتظمة لاختيار الحاكمين.
• نموذج يرتكز على قيم
اتجه القرن العشرين إلى إفقار فكرة الديمقراطية، وذلك باختزالها فقط إلى طريقة اختيار الحاكمين عبر انتخابات حرة.
بينما هي أكثر من ذلك؛ فحسب الفيلسوف Florent Guénard :
” في خطاب يعود إلى 430 قبل الميلاد أمام الأثينيين ألقاه بريكليس، إذا كانت أثينا قوية في مواجهة الأوليغارشيا العسكرية لاسبرطة، فلأنها ديمقراطية، مرتبطة بأسلوب حياة، والدفاع عن قيم، هي إذن
” تربوية ” لجميع اليونانيين ”
يضيف صاحب كتاب الديمقراطية العالمية. فلسفة لنموذج سياسي بأن:
” قوة الديمقراطية تكمن قدرتها في جمع وحشد المواطنين حولها، والتوصل إلى عقد اتفاق بين حياة الدولة / المدينة، وبين حياة المواطن الفرد”..
اعتبار الديمقراطية كنموذج وتعميمه عالميا لا يمكنه أن يخضع للتصدير كما نصدر كوكا كولا..
فالديمقراطية تتطلب التزام وانخراط الشعوب وتقتضي أشياء أخرى أكثر من موافقة عادية للإجراءات الانتخابية.
• هل هي نظام مثالي ؟
حسب مقولة ونستون تشرتشل، فالديمقراطية، هي أسوأ نظام حكم، ” باستثناء كل الأنظمة الأخرى “.
من قبل، كان أفلاطون يعتبرها دجل وتزييف.. ” تدعي بأنها حكم الشعب، ولكنها في الحقيقة حكم خطباء مفوهين ديماغوجيين يتوجهون إلى الحشود، ولا يقومون إلا بالتلاعب بها”
في القرن التاسع عشر، اعتبر كل من جون ستيوارت ميل وألكسي دو توكفيل أن الانتخابات بالاقتراع العام يمكن أن تفضي إلى ” دكتاتورية الأغلبية “، ولتفادي الوقوع في هذه المخاطر، يجب تنمية وتطوير الأحزاب السياسية والنقابات وكل الهيئات الوسيطة، وهناك أيضا انتقادات حملها محتجو انتفاضة ماي 68 بفرنسا، وحديثا بفرنسا تظاهرات حركة Nuit debout في الساحات العامة تدين اختزال الديمقراطية فقط في العملية الانتخابية، التي يرى الكثير من المواطنين عدم جدواها.
• نحو ديمقراطية تشاركية
بالنسبة للفيلسوف Alain يحدد الديمقراطية: ” ليس لأنها مصدر السلطات، بل هي المراقبة المستمرة التي يمارسها المحكومين على الحاكمين ”
مرتكزة على تقوية مشاركة المواطنين في اتخاذ القرارات السياسية، عبر المجالس، ولجان الأحياء والهيئات والجمعيات والمنتديات للمراقبة والرصد.
فمفهوم “الديمقراطية التشاركية” ظهر في أواخر 1960.. وفي السنوات الأخيرة، حيث شهدت تزايد الامتناع ومقاطعة التصويت وعدم استقرار الكتلة الناخبة ، واستشراء الفساد الانتخابي، والاحترافية من أجل الكسب والإثراء غير المشروع، ودخول الأعيان وثقلهم، والمكانة الذي بدأ يحتلها الخبراء ..
فلأن الديمقراطية لا يمكن اختزالها في آلية مؤسسية، بل هي طريقة تمهد للسياسات الاجتماعية، للعدالة والمساواة، والكرامة في قلب المجموعة، طريقة لخلق وإبداع مجتمع حقيقي.
التفكير مع الإغريق
في حوار مع الأنثروبولوجي السويسري Claude Calame تناول فيه مسألة الأساطير الإغريقية وعلاقتها بالشعراء والمنشدين والشعائر والطقوس الدينية وبأن الدين يمر عبر الإنشاد والشعر والملاحم والعكس صحيح. وأن كلمة Le Mythe كان الإغريق يستعملونها بمعنى مختلف عن اليوم، فعند هوميروس كلمة Muthos تعني الخطاب المشفوع بالحجج من أجل الإقناع. بالنسبة لنا الكلمة كانت تعني ولزمن طويل قصة تخيلية (fiction) فالرومانسية الألمانية هي التي استبدلتها بكلمة الأسطورة .
ثم أن الديانة الإغريقية التي تتميز بتعدد الآلهة (Le polythéisme) هي ديانة تسامحية بسبب غياب اللاهوت وعدم امتلاك حقيقة منزلة وعدم الاستناد على مرجعية ذات سلطة مطلقة.
أما Pierre Pellegrin الفيلسوف والباحث بالمركز الوطني للبحث العلمي، المتخصص في فلسفة ارسطو، والذي أشرف على إصدار أعماله الكاملة في طبعتها الصادرة سنة 2014، وطبعة جديدة صدرت سنة 2021 فقد دار حول الديمقراطية والخلافات بين افلاطون وأرسطو، يقول بأن التعريف الذي نسبغه اليوم على الديمقراطية، هل هو تعريف سيروق إغريقي عاش في القرن الخامس قبل الميلاد ؟
إن الديمقراطية المثالية، التي استعرناها من الإغريق هي “ابتداع” حديث؛ ففي أثينا القديمة، %20 فقط من السكان الذين يمكن تصنيفهم ووضعهم في خانة “مواطن”.
إنهم مواطنون ليس بفعل القيم العليا أو بمشاركتهم والتزامهم، وإنما بحكم أن الأبوين مواطنين.
أما بالنسبة للأغيار، للآخرين، أن يكون مواطنا فهو شبه مستحيل، حتى لو قام بإنجاز عظيم كإنقاذه المدينة، مثلما حصل مع الخطيب المفوه الشهير ليسياس ( Lysias ) الذي قام بدور كبير في انتعاش واستعادة الديمقراطية سنة 404 ق.م، ولم يغدو أبدا مواطنا..
فالديمقراطية الأثينية نادي للأنداد، الولوج إليه مقفل، علاوة على ذلك فإن أثينا قوة إمبريالية، تستغل الشعوب التي تسيطر عليها عسكريا، وهي بعيدة جدا أن تكون ديمقراطية تطبق قيم المساواة والأخوة، وعندما ننظر إليها بأعيننا اليوم لا يمكن أن نوافق عليها بشكل من الأشكال:
فهي مجتمع يطبق الفصل العنصري، وحق الدم، وامبريالي؛ يجب إذن أن نكون حذرين عندما نقوم بوضع جسر بين الديمقراطية الأثينية وديمقراطية اليوم:
فالصورة التي لدينا غير صحيحة بالمرة والتي تم الترويج لها، والتي ألهمت الثورات الأمريكية والفرنسية، إنها ديمقراطية تنهض على حرية الأنداد، لكنه صحيح فلأول مرة يرتكز نظام سياسي على أن المواطنين سواسية. رجل واحد، صوت واحد.
هل دعم الفلاسفة الإغريق الديمقراطية؟
إذا أخذنا الفلاسفة المنشغلين بدستور المدينة، أفلاطون وأرسطو، فإن لهما مواقف متباينة: أفلاطون يرى بأن الديمقراطية نظام يميل ويتجه ليصبح نظاما ديماغوجيا، والكارثة في نظره هي التي حدثت بعد بيريكليس (Périclès) عندما بدأ الأغنياء يدفعون ويؤجرون لمن يحضر التجمعات بينما هم مشغولون بأعمالهم وأموالهم، والفقراء يسنون قوانين النهب.
بالنسبة له الديمقراطية تسفر بالضرورة وتؤدي إلى الطغيان والاستبداد..
أما أرسطو فهو يتفق مع أفلاطون في هذه النقطة، لكن من وجهة نظره تتضمن الديمقراطية عنصر إيجابي، هو أنها ترتكز على الحرية والمساواة، بغض النظر عن الاختلافات الاجتماعية.
بالنسبة لتصورهما للمدينة المثالية (أو الفاضلة) فهو مختلف جدا.
فأفلاطون يرى ، بأن العلم، أي، الفيلسوف هو الذي يجب أن يكون حاكم المدينة، إنه ليس رجل سياسة بل ميتافيزيقي؛ بالمقابل أرسطو هو بحق مفكر سياسي حقيقي، هو من الأوائل الذين فكروا في ما هو النظام السياسي، نعم، بالنسبة له “الإنسان حيوان سياسي بطبعه”
فالحياة السياسة شرط ضروري كي يستطيع الإنسان إنجاز قدراته كي يكون سعيدا، والمدينة، پوليس Polis هي الإطار النهائي للنماء والازدهار الإنسان..
إنها مفارقة بالنسبة لفيلسوف قام بتعليم وتكوين الإسكندر الأكبر، الذي ركّع مدن اليونان، لكنها الحقيقة….
بالنسبة له المواطن هو الذكر، إنه رجل بالغ أغريقي، حر، فاضل ومستقيم؛ أما الآخرون النساء والأطفال والبرابرة والعبيد عليهم واجبات الطاعة والخنوع.