” لا نستجدي صدقة فقط نطالب بحق”
بقلم مارية الشرقاوي – الرباط
باحثة في قضايا النوع الاجتماعي
وضعية المرأة داخل المجتمع المغربي ليست موضوعا للمزايدات السياسية، أوالتنافس الخطابي الجماهيري أو ورقة لعب على طاولة الانتهازيين والمسترزقين بمآسي المرأة ، أو وردة حمراء كل سنة، المرأة المغربية طوال فصول تاريخ هذا البلد كانت في صلب كل تحولاته المجتمعية ، ونسقه الفكري إيجابا وسلبا ، انطلاقا من فترة الاستعمار مرورا بالدفاع عن الوحدة الترابية الى المساهمة في التنمية المرتبطة بجميع المجالات السياسية الاقتصادية الثقافية و الاجتماعية، بل جوابا عن سؤال مهم يرتبط بتنمية المغرب وتقدمه بعد حصوله على الاستقلال، لكون الحركة من أجل الاستقلال لم تكن لتحرير الأرض فقط بل لتحرير الإنسان أيضا باعتباره رافعة للتنمية و التقدم .
المرأة مكون أساسي للمجتمع بدون مساهمتها في تنميته وتمكينها من حقوقها سيكون مجتمعا معاقا ومشلولا، ولعل هذا ما استحضره جلالة الملك محمد السادس حينما قال في احدى خطاباته “….وكيف يتصور بلوغ رقي المجتمع وازدهاره والنساء اللائي يشكلن زهاء نصفه تهدر مصالحهن في غير مراعاة لما منحهن الدين الحنيف من حقوق هن بها شقائق الرجال تتناسب ورسالتهن السامية في انصاف لهن مما قد يتعرضن له من حيف او عنف مع أنهن بلغن مستوى نافسن به الذكور سواء في ميدان العلم او العمل”
التاريخ يحكي عن نساء ساهمن في الحكم فأبلين البلاء الحسن، قاومن المستعمر فكن المقاومات الشرسات، شاركن في المسيرة الخضراء فكن في الصفوف الأمامية، وهنا أحيلكم على مقال (نساء في ذاكرة التاريخ المغربي )
المرأة المغربية تمارس مواطنتها في شق الواجبات بأبهى التجليات لكن على مستوى الحقوق فلغاية اللحظة لازالت تناضل من أجل حقوق كاملة غير منقوصة مبرزة رفضها البات أن تكون مواطنة من الدرجة الثانية ،تناضل من أجل تفعيل عملاق لمجموعة من المكتسبات التي حققتها لا تفعيلا محتشما قزما حيث لا يمكن نفي مجموعة مهمة من القوانين أنصفت المرأة لكن في ظل غياب إرادة سياسية حقيقية للفاعل السياسي تم الاجهاز على روح نصوصها بعدم تفسيرها تفسيرا كريما يصب في مصلحتها أوتنزيلها تنزيلا رفيعا يعمل على تثمينها ، فأضحت هاته الترسانة المهمة من القوانين مجرد فقاعات توهمنا وتوهم المجتمع الدولي بأن المرأة المغربية أنصفت في كل المجالات السياسي منها والاجتماعي والاقتصادي ……..
فبحديثنا عن القوانين التي شرعت من أجل حماية المرأة والرفع من قيمتها داخل المجتمع سنجد لدينا قوانين على علتها تبقى متقدمة على مستوى قوانين العديد من الدول العربية و الإسلامية نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر:
*مدونة الأسرة التي اعتبرت مقتضياتها حداثية ترنو الى تأسيس مجتمع متوازن يحفظ لكل فرد داخل الأسرة حقوقه وواجباته بما يساهم في تكوين نشء سليم يؤمن بالمساواة وقادر على تطوير مؤسسات المجتمع .لكن على مستوى التفعيل ظهرت العديد من الأعطاب من بينها زواج القاصرات الذي لم يعد اشتثناءا بل أصبح قاعدة نظرا للعدد المهول لهذا النوع من الزواج حيث ارتفع من 12 ألف حالة سنة 2020 إلى 19 ألف سنة 2021 .
*تعديل قانون الجنسية الذي خول الأم المغربية حق منح جنسيتها لأبنائها من زوج أجنبي (الزواج المختلط ) وهو تعديل تاريخي اذ أصبحت هذه الجنسية مترتبة على النسب و البنوة بعد أن كانت تقتصر على الأب فقط فشملت منذئذ المرأة المغربية .
*قانون التحرش والعنف ضد النساء 13_103جرم من خلاله المشرع مجموعة من الأفعال واعتبرها عنفا ، لكنه وللأسف الشديد لم يكن عملاقا بل جاء معاقا وبه قصور كبير على مستوى النصوص ، فهذا القانون لم يجرم العديد من الأفعال التي تضر المرأة ماديا ومعنويا والتي تصنف بالعديد من التشريعات الدولية في خانة العنف ضد المرأة كالاغتصاب الزوجي مثلا.
فالعديد من القوانين حين صدورها توسمنا فيها خيرا كفعاليات نسائية لكن واقع الحال تحدث عن غير ذلك فدستور2011 منح المرأة مكانة عالية ومهمة إلى جانب صنوها الرجل وجعلها تتمتع بحقوق المساواة والحريات المدنية التي تسعى من خلالها الدولة المغربية إلى تحقيق مبدأ المناصفة بين الرجل و المرأة ، و ذكر المشرع لمصطلح المواطنات تصريحا لا تلميحا في تسعة عشر فصل له دلالات قوية ، لكن التفعيل والتنزيل على أرض الواقع كان شيئا آخر ولعل التشكيلات الحكومية التي تلت دستور 2011 توضح بالملموس غياب الإرادة السياسية لدى الفاعلين السياسيين في تفعيل مادته التي تنص على المناصفة وحينما نتحدث هنا عن المناصفة فليس القصد هو الانتصار للمرأة لكونها امرأة فقط بل الانتصار لكفاءتها ولعلو كعبها في شتى المجالات ولكون مساهمتها في تنمية بلدها ضرورة ملحة .
أما التمثيلية النسائية بالمجالس المنتخبة فلولا الية الكوطا مع تحفظنا عليها لكانت الكارثة ، ناهيك عن طريقة تدبيرها من لدن الفاعل السياسي حيث كانت النتيجة مخجلة لنا كبلد يأمل في ترسيخ المساواة و الإنصاف وتكافؤ الفرص ومجحفة في حق المناضلات المتمكنات معرفيا وسياسيا نزول نساء بمظلة المحسوبية والزبونية منهن من تبوأن مراكز القرار وهن يجهلن حتى تاريخ ومرجعية الحزب الذي رشحهن
العنف ضد النساء لازال قائما وبشكل مهول حيث رصد بحث وطني أنجزته وزارة الأسرة والمساواة والتنمية الاجتماعية 54,4 في المائة من النساء تعرضن للعنف أي أكثر من نصف نساء المغرب و بلغت نسبة النساء المعنفات في الحواضر 55,8 في المائة مقابل 51,6 في المائة بالوسط القروي ،و تمثل النساء اللواتي تتراوح أعمارهن مابين 25 و 29 سنة أكثر الفئات التي تعرضت للعنف حيث بلغت 59,8 في المائة ، وحسب ذات البحث فان العنف النفسي هو أكثر أشكال العنف الذي تتعرض له النساء حيث يمثل نسبة 96,5 بالمائة من باقي أشكال العنف الأخرى . نسب صادمة و مقلقة ذات الوقت ، مع العلم أن هذا البحث الوطني أماط اللثام فقط عن الحالات المصرح بها من قبل النساء المعنفات ،لكن الواقع يشي بأكثر من هاته النسب ،كل هذا يحدث للمرأة في ظل دستور متقدم أنصفها وجعل لها من الحقوق ما يساوي تلك التي يتوفر عليها الرجل ، في ظل عهد وقع فيه المغرب على مجموعة من المواثيق والعهود الدولية المناهضة للعنف ضد المرأة ، لكن الغريب و المستغرب له في آن واحد هو كون العنف زاد استفحالا مع وجود قانون التحرش و العنف ضد النساء ، هذ القانون الذي لم يعرف النورإلا بعد 15 سنة من تماطل الجهات المختصة وبعد جهد جهيد من نضالات وترافعات يومية للجمعيات النسائية.
المرأة القروية تعاني الهشاشة والفقر والهدر المدرسي حيث كشف إحصاء قامت به المندوبية السامية للتخطيط على أن 90 في المائة من النساء القرويات لا يحصلن على مقابل لعملهن ،أما نسبة الهدر المدرسي فبلغت في صفوف الاناث 16,8 في المائة بالسلك الإعدادي وهذا أمر بديهي نظرا لبعد المؤسسات التعليمية الإعدادية والثانوية عن الدواوير و المداشر وما يمكن أن يصاحب الفتاة من طعن في الشرف حسب الفكر السائد هناك إذا ابتعدت عن محل سكناها لتكمل دراستها .
أما بالنسبة لسوق الشغل فقد أشارت الإحصائيات الأخيرة للمندوبية السامية للتخطيط إلى أقل من 20 بالمائة من النساء المغربيات فقط من يلجن سوق الشغل، مؤكدة أن وتيرة الجهود المبذولة لإدماج المرأة في مختلف الميادين لا تتعدى 1 بالمائة طيلة عقدين من الزمن.
إذن ومن خلال القوانين و الإحصائيات المذكورين أعلاه يتضح جليا أن المشاكل السوسيواقتصادية للمرأة، وضعف المشاركة في الحياة العامة، والصور النمطية إزاءها في المجتمع، والعنف الممارس عليها يجعلنا نقول بأنه لا يمكن الحديث عن تحسين وضعية النساء داخل المجتمعات الحضرية و القروية دون أن ندخل تعديلات على السلوك الاجتماعي و الثقافي الذين يؤثران سلبا على التعاطي مع تواجد المرأة داخل المجتمع انطلاقا من المرأة نفسها ، كدلك يجب العمل بجد ومصداقية وإرادة سياسية حقيقية للفاعلين السياسيين لتحقيق العدالة الاجتماعية بالرفع من المستوى المعيشي للأسر الفقيرة ، محاربة الأمية وتشجيع الأسر على تعليم بناتها ، بناء إعداديات وثانويات بالدواوير والمداشر للحد من الهدر المدرسي ، بناء مراكز للتكوين وتقريب الخدمات لسكان البوادي على رأسها المستشفيات ، فمكانة المرأة داخل المجتمع تعتبر من أهم شروط الديموقراطية بل هي المعيار الكاشف لحقيقة الوضع الديموقراطي الحقوقي فلا يمكن لمجتمع أن يزدهر و يتقدم ونساؤه تهدر حقوقهن في ضرب سافر لمبدأ المساواة و تكافؤ الفرص…..