الكائنات غير المرئية:
أضواء حول الهجرة و المرأة المهاجرة في اسبانيا
شاكر بوعسل/اسبانيا
تعتبر الهجرة قضية محورية في جميع النقاشات الاجتماعية والسياسية والقانونية داخل الاتحاد الأوروبي وباقي بلدان العالم سواء المستقبلة منها أو المصدرة، نظرا لواقعها البنيوي وطبيعتها الذاتية، حيث أصبحت ظاهرة تزداد يومًا بعد يوم ولا توجد أي علامات أو مؤشرات تحيل على توقفها.
مهما كانت أسباب او دواعي الهجرة، نرفض التعاطي مع هذه القضية كأنها مشكلة أو تهديد، وانما كظاهرة إنسانية واجتماعية لها أسبابها ودوافعها في التطورات الاقتصادية والسياسية والجيواستراتيجية التي يعرفها العالم.
نفضل معالجة قضية الهجرة بشكل عام والمهاجرين بشكل خاص في إطار تطور منظومة حقوق الإنسان في المجتمع الأوروبي الحديث، انطلاقا من مقومات السياسات المشتركة للاتحاد الأوربي في مجال الهجرة التي يجب أن تكون منسجمة مع شعار أوروبا التي تدافع عن حقوق الإنسان والعدالة والاستقرار والتعايش والسلام.
في هذا الإطار يجب أن نتعاطى مع الهجرة كحق من حقوق الانسان منصوص عليه في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في المادة 13:
لكل فرد حق في حرية التنقل وفي اختيار محل اقامته داخل حدود الدولة.
لكل فرد حق مغادرة أي بلد، بما في ذلك بلده، وفي العودة الى بلده.
هذه الحقوق صادقت عليها كل الدساتير الاوربية وعلى رأسها دستور اسبانيا لسنة 1978.
الهجرة هي واقع وضرورة حتمية يفرضه تطور المجتمع الإنساني، هي حل أساسي لمشكل النمو الديموغرافي في معظم الدول الحديثة وخصوصا الاوربية، هي مكون أساسي لضمان استمرارية منظومة الرفاهية والاستقرار الاقتصادي والاجتماعي.
هذا ما تعكسه بشكل جلي مجموعة كبيرة من المعطيات والإحصائيات حول عدد السكان المهاجرين في العالم.
حسب احصائيات إدارة الشؤون الاقتصادية والاجتماعية التابعة للأمم المتحدة لسنة 2020 وصل عدد المهاجرين في العالم الى ما يقارب 280.6 مليون مهاجر من أصل 7.8 مليار نسمة أي ما يمثل 3.6% من عدد السكان الإجمالي. تمثل النساء فيها نسبة 48.1%.
وحسب نفس المصدر وصل عدد المهاجرين في دول أوربا الغربية الى 33.2 مليون مهاجر أي بنسبة 16.9% من المعدل الإجمالي للسكان، تحتل المهاجرات فيه نسبة 50.7%.
أما على مستوى اسبانيا تعتبر 12.9% من الساكنة هي من المهاجرين أي ما يعادل 6.8 مليون نسمة. هذه النسبة في تنامي مستمر، حسب اخر احصائيات الأمم المتحدة التي قدرت نمو الهجرة في اسبانيا لسنة 2020 بأكثر من 157 ألف مهاجر.
تعتبر هجرة الإناث أعلى من هجرة الذكور حيث تبلغ 3.190.456 امرأة تمثل 52.26٪ من إجمالي عدد المهاجرين مقابل 2.913.747 مهاجرًا بنسبة 47.73٪
أغلب المهاجرين في اسبانيا ينحدرون من المغرب بنسبة ما يعادل تقريبا 11.66% ليكون العدد الإجمالي للمهاجرين المغاربة المقيمين في اسبانيا حسب معطيات المعهد الوطني للإحصاء الى غاية يناير 2022 هو775.294. مهاجرو مهاجرة. ليكون المغاربة أكبر جالية مهاجرة في اسبانيا متبوعة بالجالية الرومانية والجالية الإنجليزية.
بعض البيانات والإحصائيات حول البنية الإجتماعية وسوق الشغل:
متوسط عمر المهاجرين في إسبانيا يتحدد في 36 سنة مقابل 44 سنة بالنسبة للمواطنين الأصليين. كما ان الاشخاص اللذين تفوق أعمارهم عن 65 سنة تشكل نسبة 22% من السكان الأصليين مقابل 8% من المهاجرين. وبهذا تشكل نسبة المهاجرين في سن العمل 85% مقابل 62% للسكان الأصليين. (المعهد الوطني للإحصاء 2020).
فيما يتعلق بالمستوى الدراسي والعلمي، يمكن القول إنه على غرار الفكرة النمطية السائدة التي تعتبر المهاجرين المنحدرين من الدول المتخلفة بدون مستوى تعليمي عالي، تظهر البيانات والمعطيات أن المستويات التعليمية للمهاجرين ليست فقط عالية، وانما تشبه إلى حد كبير المستويات التعليمية التي يحظى بها الإسبان.
بحيث يمثل الإسبان الذين لديهم دراسات جامعية 29% من عدد السكان الإجمالي، بينما المهاجرين الأجانب يشكلون 23٪ مقابل 20% التي يشكلونها المهاجرون المنحدرون من أمريكا اللاتينية. حسب معطيات. EPA/INE 2017.
فيما يتعلق بالسمات المركزية للاندماج الاجتماعي والاقتصادي في المجتمع الاسباني يمكن القول ان الأغلبية العظمى للمهاجرين، 75% هم عمال عاديون. 17% يقومون بأعمال الرعاية والخدمات المنزلية و42% يمارسون المهن في قطاع البناء، المقاهي والمطابخ وفي قطاع الفلاحة و16٪ فقط يعتبرون من العمال المؤهلين.
25% فقط من العمال المهاجرين يعملون في قطاع الخدمات والوظائف ذات المؤهلات المتوسطة والعالية. 8.1% يشتغلون في الأعمال الإدارية. 7.1٪ لهم شركات ومقاولات صغرى، و9.9٪ في الخدمات المهنية.
القليل من المهاجرين من استطاعوا بشكل فردي وليس مؤسساتي ان يحسنوا من وضعيتهم المهنية، أي الارتقاء من ممارسة الاعمال البسيطة والعادية الى مزاولة الاعمال والوظائف المؤهلة حسب المعطيات التي وردت في تقرير: Un arraigo sobre el alambre لمنظمة كاريتاس الإسبانية والمعهد الجامعي للدراسات حول الهجرة، التي أجريت على عينة خيالية من 100 مهاجر ما بين فترة 2000و 2017حيث خلصت الى النتائج التالية:
60 عاملا من أصل 81 عامل استمروا في ممارسة نفس الاشغال العادية والأساسية.
21 شخص منهم استطاعوا مغادرة هذه الاعمال للاشتغال بوظائف واعمال أكثر تأهيلا على الشكل التالي:
5 اشخاص كعمال مؤهلين
5اشخاص في وظائف إدارية
11 شخصا في مناصب متخصصة.
إن قانون الشغل في اسبانيا يكرس رداءة ظروف العمل وعدم تحصين الشروط الإيجابية والأساسية بحيث ان الأغلبية الساحقة من العمال المهاجرين اومن أصول مهاجرة73% هم مقصيون من معيار التوظيف الاجتماعي الأساسي الخاص بالشركات المتمثل في عقد عمل دائم ويوم عمل كامل.
هذا الإقصاء يتمثل ب 75% في حالة العاملات المهاجرات. 70% بالنسبة للمهاجرين الرجال و86% بالنسبة للمهاجرين المنحدرون من الدول الافريقية.
يشكل العمل غير المنظم، 11٪ من العدد الإجمالي للمهاجرين.
73% يشتغلون بطريقة غير رسمية بالرغم من توفرهم على رخص الإقامة والعمل.
تجدرالإشارة إلى أن نسبة البطالة في صفوف المهاجرين هي مرتفعة وملحوظة بحيث ان 60% فقط من العمال المهاجرين يتوفرون على عمل طيلة السنة، بينما40% يعانون من التوقف عن الشغل والبطالة بنسب متفاوتة:
12% يعانون من البطالة طول السنة
5.4% يعانون من البطالة أكثر من 7 أشهر
12% يعانون من البطالة بين 4 و6 أشهر
10% يعانون من البطالة ما بين 1و3 أشهر.
يعتبر العمل الموسمي في إسبانيا من أهم المظاهر السلبية لسوق الشغل التي يعاني منها العمال المهاجرون على الخصوص بحيث ما يقارب عن 40% من العمال المهاجرين النشطين يتوفرون على عقود عمل موسمية مقابل 22% من العمال الإسبان. (تقرير كاريتاس والمعهد الجامعي للدراسات حول الهجرة).
حسب منظمة العمل الدولية في تقريرها حول الأجور المنشور في سنة 2020 اعتبرت أن هناك فجوة كبيرة في أجور المهاجرين في العديد من البلدان ذات الدخل المرتفع تبلغ في حالة إسبانيا الى نسبة 28.3٪.
تقل أجور المهاجرين بنسبة 13٪ تقريبًا عن تلك التي يتلقاها مواطنو الدول المضيفة. على الرغم من أن هذا الإختلاف يصل في بعض البلدان إلى 42 ٪.
أما في حالة المرأة المهاجرة، فهي تواجه تمييزا مزدوجا. بحيث تصل فجوة الأجور في ساعة العمل الى نسبة 21٪.
مشاركة المهاجرين في الضمان الإجتماعي:
يساهم المهاجرون بنسبة 8٪ من الاستهلاك في الاقتصاد الوطني و10٪ من الدخل الإجمالي لصندوق الضمان الاجتماعي في إسبانيا، بحيث بلغ متوسط عدد المشتركين المهاجرين في صندوق الضمان الاجتماعي في يناير2020 الى.124. 982.2مشارك ومشاركة. مسجلة بذلك زيادة في عدد العمال بمقدار 132.133 مقارنة بالسنة الماضية. أي ما يشكل ارتفاع نسبة النمو بين السنوات الى نسبة 6.63%.
يساهم السكان المهاجرون في إسبانيا بشكل كبير في الحفاظ على نظام الرعاية الاجتماعية سواء في اشتراكات الضمان الاجتماعي أو في الضرائب.
وضعية المرأة المهاجرة في إسبانيا:
حسب المعطيات والأرقام التي أشرنا اليها سابقا تعتبر هجرة الإناث في إسبانيا أعلى من هجرة الذكور حيث تبلغ 3.190.456 امرأة تمثل 52.26٪ من إجمالي عدد المهاجرين مقابل 2.913.747 مهاجرًا بنسبة 47.73٪.
تعتبر النساء المهاجرات مجموعة غير مرئية للغاية، ولكن يُنظر إليهن بشكل متزايد في مجتمعنا الحالي نظرا لتعاطيهن الى الأعمال المنزلية ورعاية المسنين والأطفال الشيء الذي يجعل عملهن في عالم الظل دائما، لأنهن يتعاملن عادة مع قطاعات بعيدة عن حدود العمل المنظم والتي تسمى “مكملة” للاقتصاد والتي لا يتوافق فيها النشاط المهني مع قواعد العمل المعتادة.
إن الوجود المهم للمرأة في حركية الهجرة الحالية هو نتيجة التغيرات البنيوية والسوسيواقتصادية التي عرفتها المجتمعات المستقبلة للهجرة وعلى رأسها إسبانيا وما رافقه من تطورات في سوق العمل الذي خلق مناصب وفرص شغل لا تغطيها سوى اليد العاملة النسائية.
إن الاندماج السريع للنساء الإسبانيات في سوق العمل، كان سببا أساسيا في زيادة الطلب على الخدمات المنزلية ورعاية المسنين الذي يتم تغطيته بشكل رئيسي من قبل النساء المهاجرات.
أصبحت تدفقات الهجرة إلى البلدان المتقدمة مؤنثة، أي أن المزيد من النساء يتنقلن بشكل مستقل من أجل بدء مشروع حياة جديد ينطلق من إدماج أنفسهن في سوق العمل في بلدان الإقامة.
إن تزايد وجود المرأة المهاجرة في سوق العمل إلى جانب حركتيها الإقتصادية والإجتماعية زاد من حجم المشاكل والعراقيل التي تواجهها بحكم وضعها المزدوج كامرأة وكمهاجرة. في أحيان كثيرة تعتبر من ضحايا تداعيات العولمة، التي جعلت من استغلال الفئات الأكثر تهميشا اجتماعيا والأضعف حصانة حقوقيا عملة رخيصة في سوق العمل. بحيث أصبحت العديد من النساء عمالة رخيصة، وخادمات أزواج خاضعات، وفي كثير من الحالات عرضة للاستغلال والتعسف الجنسي وباقي اشكال العنف الممارس ضدهن.
كل هذا يجعل منهن جزءًا من مجموعة مستضعفة، عرضة لحالات سوء المعاملة والاستغلال وانتهاك حقوقهن الأساسية. مما يبرر ضرورة اهتمام خاص بهن وتدخل قانوني ومؤسساتي لحمايتهن.
تمثل النساء المغربيات 48%من إجمالي الجالية المغربية المقيمة في إسبانيا وفقًا للبيانات التي قدمناها من قبل. يضعنا هذا التأنيث المتزايد أمام الحاجة إلى إثارة العناصر الإجتماعية والعمالية المختلفة التي تميز وضع المرأة المغربية والتي سنقوم بتفصيلها أدناه:
– جاءت الغالبية إلى إسبانيا في إطار التجمع العائلي. لكن عدد النساء اللواتي يأتين بمفردهن آخذ في الازدياد وخصوصا منها النساء العازبات والامهات اللائي تركن اسرهن على امل الاجتماع بها مستقبلا.
لا يوجد نموذج واحد للمرأة المغربية، فهذا يعتمد على أصلهن، فبعضهن حضري مع تعليم ثانوي أو عالٍ، وأخرى ذات مستوى تعليمي منخفض للغاية أو أمية مع خبرة عمل قليلة قبل الهجرة وبدون أي معرفة بلغة وثقافة البلد المضيف.
– حسب مكان الإقامة، تعمل هؤلاء النساء في بعض الأنشطة المحددة: الخدمة المنزلية، وفي المطابخ وشركات التنظيف وفي بعض المناطق تعمل في القطاع الفلاحي. وتتميز هذه الأنشطة بضعف الأجور وعدم كفاية الحماية الاجتماعية أو انعدامها. إنها وظائف محفوفة بالمخاطر بشكل عام.
المرأة المهاجرة المغربية تعاني في بعض الأحيان من التنقيص من قيمتها الحقيقية التي تجد اساسها في الجهل وطبيعة البنية الثقافية المحافظة، هذا الى جانب بعض المظاهر السلبية لبلد الإقامة كالعنصرية واحكام القيمة حول المسلمين والمغاربة الشيء الذي غالبًا ما يتم تبريره بـ “الدين والثقافة” لإضفاء الشرعية على هذا الوضع، بدلاً من إعطاء هذه المرأة مكانتها وقيمتها المستحقة.
المرأة المغربية في المجتمع الاسباني هي جزء مهم من جاليتنا، وبحكم انتمائها الى فئة اجتماعية ضعيفة لها صعوبات متعددة على مختلف المستويات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية.
من هنا نفتح المجال للنقاش و البحث في ماهية الآليات و الأدوات اللازمة من أجل تحسين أوضاعها و ماهية الخطط و البرامج من أجل دعمهن التي تهدف الى توفير وترقيتهن الشخصية والمهنية.
تحية لكل النساء في عيدهن العالمي
تحية لكل النساء المهاجرات وعلى رأسهن المرأة المهاجرة المغربية.