غول الفساد يهدد الاستقرار الاجتماعي
بقلم: البدالي صافي الدين
إن الارتباك الذي أصاب حكومة أخنوش هذه الأيام، بفعل ارتفاع أسعار المواد الاستهلاكية بشكل غير مسبوق كان منتظرا ، لأنها تعهدت بأن تحمي الفساد و المفسدين منذ البداية، بسحبها مشروع تجريم الإثراء غير المشروع و تجميد الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد. و كانت النتيجة هي الاستمرارية في انتشار مظاهر الفساد و الرشوة حتى أصبحت تغشى سماء هذا الوطن.
الفساد و الرشوة، وما إلى ذلك من العفن الاداري و السياسي، تجذر و اخترق جميع القطاعات الحكومية وغير الحكومية و حتى القطاعات الخاصة، نتيجة غياب استراتيجية وطنية حقيقية لمكافحة الفساد وتجنب مخاطره، التي تعتبر كالنار تحرق كل شيء.
الحكومة عاجزة عن تقدير خطورة الفساد و الرشوة و ما تنطوي عليه هذه الآفة من انعكاسات سلبية على جميع المستويات، الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و الإدارية و السياسية .
فعلى المستوى الاقتصادي،لم يترك الفساد مجالا للتشجيع على الاستثمار من أجل تنمية اقتصادية وطنية صلبة. مما أدى إلى انكماش الاقتصاد المغربي و تراجع نسبة نمو الناتج الداخلي الخام ليستقر في حدود نسبة % 1,5. هذا مؤشر يدل على أن الحكومة استسلمت الى لوبيات الفساد و إلى الرغبة الذاتية في تحقيق المصالح الشخصية و الاغتناء غير المشروع على حساب مصلحة الوطن و الشعب.
في الوقت الذي ينشغل وزراء الحكومة في ما ينفعهم و يضر البلاد، تشتعل نار الأسعار و يزداد الاحتكار بشكل مبالغ فيه، ليشمل كل المواد الاستهلاكية من فواكه و خضر و حليب و مشتقاته و أيضا اللحوم الحمراء والدواجن والبيض. على مرآى و مسمع السلطات المسؤولة التي لم تغب قط عن هذا الوضع، بل تعرفه جيدا لأن وزارة الداخلية المغربية لا يخفى عليها ما في باطن الأرض و ما تحث أعماق البحار، لكن غول الفساد الإداري كان و لا زال من وراء غلاء المعيشة. لكن حينما تعالت الأصوات منددة بالغلاء، تحركت هذه السلطات للحد من بعض مظاهر الاحتكار، وليس من أجل القضاء على سياسة الاحتكار، لأن أصحابه يشكلون قوة ضاغطة في البلاد.
من هنا يبدو بأن الفساد الإداري كان ولا يزال يشكل خطرا على الاستقرار الاجتماعي و على تخليق الحياة العامة. وتعتبر اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد بأن الفساد الإداري مدخل الرشوة و الغش و الزبونية و الاغتناء غير المشروع. مما يؤدي حتما إلى الإفلاس الاقتصادي و الى تفشي البطالة، وهو ما كشف عنه تقرير البنك الدولي سنة 2013، بحيث اعتبر بأن الفساد هو “العدو الأول للشعب”، مؤكدا على أن تخلف البلدان راجع إلى الفساد الإداري.
هذا ما جعل المغرب غير قادر على تحقيق التوازنات الاقتصادية و المالية إلا عبر الاقتراض من البنك الدولي، حيث ارتفعت هذه الديون إلى 21.71 مليار دولار في سنة 2022، وما يرتبط بتلك الديون من شروط التبعية لاسترجاعها، وهي شروط تكون داءما تعاكس طموحات الشعب في ظل هيمنة لوبي الفساد واقتصاد الريع و حماية القطاعات غير المهيكلة التي تستنزف طاقة البلاد.
الفساد هو الأصل في ارتفاع الأسعار و في تفشي البطالة و الجريمة و في التخلف الاجتماعي. وقد كشفت الاتفاقية الأممية لمكافحة الفساد عن مخاطره و منها :
“إعاقة النمو الاقتصادي
إهدار موارد الدولة و سوء استغلالها الاستغلال الأمثل.” و هذا الوضع يساهم فيهروب الاستثمارات الوطنية والأجنبية .
سوء الإنفاق العام لموارد الدولة عن طريق إهدارها فى المشاريع الكبرى وهذا ما يؤثر سلبا على القطاعات الاجتماعية الهامة كالصحة والتعليم والخدمات الاجتماعية.
تدني كفاءة الاستثمارات العامة، وإضعاف مستوى الجودة في البنية التحتية بفعل الرشاوي التي تدفع للتغاضي عن المواصفات القياسية المطلوبة.
أما على الصعيد السياسي، فإن الفساد يؤدي الى افشال الحكومة في تدبير الشأن العام و في الخطط التنموية المطلوبة مما يجعلها تعيش الارتباك الدائم، ما لم تعمل على القطع مع ظاهرة الفساد و الرشوة و الإفلات من العقاب.
و يتسبب الفساد في تشويه الدور المطلوب من الحكومة بشأن تنفيذ السياسة العامة للدولة وتحقيق مخططات التنمية. و أكدت الاتفاقية على ان الفساد السياسي يساهم في انهيار وضياع هيبة دولة القانون والمؤسسات بما يعدم ثقة الأفراد فيها.
و هو الوضع الذي يتزعزع معه الاستقرار الاجتماعي و فشل كل الجهود من أجل تحقيق الديمقراطية الحقة على أرض الواقع. و من تم فإن الفساد يضعف كل جهود الإصلاح التي تعزز بناء الدولة الديمقراطية و يكرس إقصاء شرفاء البلاد من الوصول الى المؤسسات التشريعية أو التنفيذية، و هو ما يفقد الثقة في الدولة و يزيد من حالة السخط بين أفراد المجتمع.