معاهدة إكس ليبان : استمرارية الاستعمار و نهب خيرات البلاد
بقلم : صافي الدين البدالي
كنا نقول في تحليلنا السياسي بأن استقلال المغرب هو استقلال شكلي ليس إلا . ويتساءل المواطن المغربي و المواطنة المغربية عن العلاقة المغربية الفرنسية غير المتكافئة ،حيث تتسم بمحاولة فرنسا وضع المغرب دائما في زاوية ضيقة من أجل مصلحتها و ضدا على مصالحه . و سوف يتبين ذلك من خلال الرجوع إلى معاهدة اكس ليبان ، و ما قبلها وما بعدها ، لأنها كانت السبب الرئيسي في تفقير الشعب المغربي و إعلان الاستعمار الجديد ابتداء من 2 نونبر 1955م تاريخ توقيع المعاهدة إلي 2055.
لقد مرت ستة عقود على هذه المعاهدة ليتأكد بأن استقلال المغرب هو استقلال شكلي، و أن البلد المستعمر ، الذي هو فرنسا، لم يمنح المغرب استقلاله التام، بل منحه استقلالا مشروطا بمعاهدة القرن ، التي تظل سارية المفعول إلى حدود 2056 . إنها اتفاقية إكس ليبان التي ستظل وصمة عار على جبين المغاربة الذين فاوضوا من أجل استقلال المغرب بالمصادقة على هذه الاتفاقية رغم ما تكتنفه من شروط ذات خطورة على مستقبل البلاد . إنها معاهدة أُبرمت سنة 1955 بين وفد من الشخصيات السياسية والوجهاء المغاربة، ووفد من الشخصيات الحزبية السياسية الفرنسية، من أجل وضع بنود إنهاء نظام الحماية على المغرب وحصوله على استقلاله.
غير أن هذه المعاهدة تضمنت بنودا كانت سرية للغاية ، لأن الهدف منها هو الاستمرار في نهب ثروات المغرب من جهة، و جعل الشعب المغربي يظل يعيش ويلات التبعية والفقر من جهة ثانية، مقابل استقلال في عمقه السياسي و الاقتصادي و الثقافي يظل استقلالا وهميا، وذلك بذريعة أن فرنسا لها الحق في الاستفادة من ثروات المغرب، مقابل الخدمات التي قدمتها للبلاد إبان الحماية. لقد كانت لعبة خطيرة تنطوي على نية فرنسا في استمرارها استعمار المغرب، لكن هذه المرة يكون استعمارا اقتصاديا و ثقافيا و أمنيا، و إخضاعه لما تمليه عليه في هذه المجالات. وهي طريقة تهدف الى الاستمرار في استنزاف ثرواته و استغلال موارده البشرية لمصلحتها.
إن من أهم ما جاء في بنود هذه المعاهدة، معاهدة إكس ليبان، الموقعة بين الوفدين المغربي و الفرنسي سنة 1955 والتي ستبقى سارية المفعول حتى 2055 قابلة للتمديد مئة سنة أخرى ،نذكر منها:
حق فرنسا الاستفادة من عائدات الطريق السيار، و السكك الحديدية لمدة قرن من الزمن .كما
تستفيد من العديد من الثروات الطبيعية المغربية ، منها الفوسفاط ، الذهب، و الفضة بنسبة 50% ، و قسمت 50% الباقية بين العائلة الحاكمة بقيمة 30%، و 20% فقط تذهب إلى ميزانية الدولة ، أي إلى الشعب المغربي. كما تستفيد فرنسا من فوائد توزيع الماء الصالح للشرب و الكهرباء بنسبة 90% من خلال شركاتها بالمغرب. وكذلك نصف مداخيل شركات الاتصالات. و هكذا زادت فرنسا من قيودها على الشعب المغربي، إذ فرضت عليه أن تبقى هي المسيطرة الوحيدة على مستوى الاستثمار، و لا يسمح دخول أية شركة أخرى في هذا المجال إلا أن يكون لها نصيب في الأرباح و منها الشركات المالية.
كما تفرض بموجب اتفاقية إكس ليبان، اللغة الفرنسية كلغة رئيسية بالمغرب في المدارس و الجامعات و الإدارات العمومية، مما يجعل التبعية لفرنسا، البلد المستعمر امرا محسوما فيه ، وواقعا ظل معاشا منذ الاحتلال حتى الآن. وأن التخلص منه يحتاج الى قرارات سياسية حاسمة وجريئة حتى يكون الاستقلال تاما وكاملا على جميع المستويات.
إن المغرب لم يتخلص اطلاقا من التبعية لفرنسا التي لا زالت تتخذ من إكس ليبان علاقتها مع المغرب. فهي التي احتلت المغرب تحت طائلة عهد الحماية، الذي وقعه السلطان عبد الحفيظ سنة 1912، و حولته الى استعمار حقيقي بكل أشكاله من قهر و اغتصاب أراضي و استغلال النفوذ ونهب الثروات و عسكرة المدن والقرى و بت التفرقة بين أفراد الشعب من خلال الظهير البربري و تجنيد الشباب المغربي للدفاع عن ترابها في الحرب العالمية الثانية، و فرض لغتها و ثقافتها على أبناء الشعب المغربي. و تقوم بنفس الممارسة عبر معاهدة ايكس ليبان التي توخت منها استمرار سيطرتها على المغرب.
تجدر الإشارة إلى أن هذا الاستقلال الشكلي، بموجب اتفاقية إكس ليبان، كان بعد التشاور مع وفد من حزب الاستقلال، و وفد من المحايدين، وجماعة اليهود، و وفد من الفرنسيين يمثل الدولة المستعمرة و ممثلين عن الحكومة الفرنسية.
و بهذا يتضح بأن إكس ليبان ما هي إلا خيانة للشعب المغربي، بل أمة المغرب العربي الكبير ككل، و لم تسلم منها باقي بلدان المغرب العربي الكبير الذي يسري عليه مايسري على المغرب. وظلت فرنسا تراقب عن قرب المغرب و التفاعلات السياسية فيه بعد الإعلان عن الاستقلال الشكلي، حتى لا تظهر فيه مقاومة جديدة لفرنسا للتخلص من كل مخلفاتها بشكل نهائي، أي مقاومة المعاهدة التي ماهي إلا استعمار جديد بلباس جديد حمله اتباعها و عملائها و خدامها الذين استفادوا من عطاءها من امتيازات و شركات و حماية مخزنية. كما أنها ظلت تتحكم في الخيارات السياسية في المغرب بعد الإعلان عن الاستقلال الشكلي و مساعدة النظام السياسي المغربي على حل جيش التحرير و القضاء على الوطنيين الرافضين للاستقلال الناقص و المزيف.
كل هذا حتى يصفى الجو للمستعمرين الجدد من المغاربة ويفعلون ما يريدون و يقودون سياسة المغرب في اتجاه مصلحة فرنسا حتى تظل تستنزف العديد من الثروات الطبيعية المغربية بدون منازع.
إن ما عشناه و ما نعيشه الآن من تمرد فرنسا على المغرب كان طبيعيا لأنها تنطلق من ضعف بلد، كان ضحية المعاهدات الملغومة التي لم تعد على الشعب المغربي الا بالويلات، لأن الطرف المغربي فيها كان دائما ضعيفا، لأنه لا يشرك الشعب و لا يتحصن بديمقراطية حقيقية يكون فيها الشعب سيد القرار و قادر على دحض كل المناورات ضد سيادته و ضذ وحدة التراب الوطني. إن محابات فرنسا و التطبيع مع اسرائيل لا يمكن أن يفيد المغرب في شيء بالنسبة للصحراء المغربية، دون شعب يعيش مناخا ديمقراطيا حقيقيا، لأن إسرائيل و فرنسا تبحثان عن مصلحة شعبيهما فقط، و أنهما يستغلان بلدا يكمن ضعفه في ديمقراطيته المزيفة.
لقد آن الأوان تنزيل ديمقراطية حقيقية و محاسبة المفسدين و ناهبي خيرات البلاد و المهربين للأموال والثروات المعدنية النفيسة، و ربط المسؤولية بالمحاسبة وعدم الإفلات من العقاب . إنه السبيل الوحيد لصيانة الوحدة الترابية دون الاعتماد على المجاملات الدبلوماسية و النفاق السياسي مع أية دولة لا ترى إلا مصلحتها في الشعب المغربي .