لغة الضاد السامية حية باقية..
ذ.عبد الله مشنون
كاتب واعلامي من مغاربة العالم
اللغة العربية؛ لغة الضاد؛ هذا البَحرُ العميق؛ الذي في أَحشائِهِ الدُرُّ كامِنٌ؛ الجميل بكلماته؛ فجمالية وروعة اللغة العربية من جمالية الكلام في القرآن؛ الشيء الذي لا تتيحه لغة أخرى. ومن روائع اللغة العربية؛ مساحة التعبير الشاسعة والواسعة جدًا.
إنها لغة القرآن الكريم التي أوحى بها الله لنبيه العظيم وجعلها نبراسًا وسراجًا منيرًا لكافة الإنسانية فكيف لها أن تنزل من المقام أو أن تزول؟
بالرغم من كيد وحقد من يدركون جيدًا عمقها وقوة تأثيرها سواء في المضمون أو في الإبداع، ستبقى اللغة العربية حاضرة، سائدة ورائدة عبر التاريخ و الأزمان.
في رثاء لسان حال اللغة العربية
وَلَــــــدتُ وَلَمّــا لَم أَجِــــــد لِعَرائِســــي•• رِجالاً وَأَكفــــاءً وَأَدتُ بَنــــــــاتي. –
رحم الله الشاعر والأديب حافظ إبراهيم.
إن اللغة العربية؛ لغة سامية مقدسة؛ وليست فانية كما يصور أعدائها ولا حتى المتأسفون عليها لأنها وبكل بساطة لغة الأجيال التي لا تستكين للمحال . و هي نفسها الأجيال التي ستتناقلها في الصدور و في الفكر وفي التواصل و التعبير و ستعيدها بلا شك لمجدها و لموقعها الأزلي و المستحق .
و ارتباطا بالموضوع و ماله من أهمية قصوى فإن العربية كلغة أولا وكثقافة و فكر ثانيا تشكل بالنسبة لكل غيور في بلاد المهجر و في العالم ، صلة الوصل الحقيقية التي تربطه بهويته و بحضارته . لذات السبب ما أحوجنا اليوم أكثر مما مضى لخلق ذاك الجسر القوي و المتجدد الذي سيمكن عشاق العربية و المدافعين عنها من التواصل أكثر وإعادة بناء العلاقة مع المؤمنين بها و بما تختزنه من كنوز عبر التاريخ .
كما لا يجب أن نغفل بأن اللغة العربية تتعرض منذ سنين لحرب ضروس و شرسة من قبل أطراف تعي تمام الوعي ما تشكله لغة الضاد من قوة و تمكن و تجدر في ثقافات العالم و في إرثها لأنها لغة عالمية و سامية و لغة لكل الحضارات التي نهلت من أسرارها و نفحاتها العطرة .
ولعل أبرز مايحرص عليه مغاربة العالم في بلاد المهجر هو ألا يكون اندماجهم في بلدان الإستقبال على حساب هويتهم و على حساب حضارتهم و مقومات ثقافتهم الأصلية . لهذا يحرصون باستمرار على تعليم اللغة العربية لأبنائهم وعلى جعلها إلى جانب الدارجة و اللهجات المحلية الأخرى جسرا للتواصل فيما بينهم . ويجب التذكير إضافة إلى ما سلف ذكره بأن تعلم اللغة العربية تسهل على مختلف مكونات الجالية المغربية فهم مقاصد الدين و عقائده و تشكل أداة في أداء العبادات كذرع واقي من براتين الجهل و الأفكار الهدامة وبالتالي الفهم الخاطئ للدين . وفي هذا الصدد لا يجب أن ننسى بأن رسالة المسلمين مغاربة كانوا أم مشارقة تبقى مرتبطة من خلال لغة القرآن الكريم بإبراز سماحة الإسلام الحنيف و دعوته السامية إلى تكريس العدل فوق الأرض و إلى نبذ كافة أشكال العنف و التشدد و الطائفية .
و نود التذكير من خلال هذا المقال بمعطى أساسي يهم بعض أبناء الجالية المغربية الذين اختاروا التمدرس ، عن وعي أو بدونه ، وراء اللغات الأجنبية لبلدان الإقامة وذلك لعاملين أساسيين أولهما عدم الإهتمام كنوع من الشذوذ و الإستيلاب ، أو بسبب اختيار المكوث الدائم في بلاد المهجر كأمر حتمي لا مناص منه .
في ذات الوقت وجبت الإشارة إلى حقيقة تبعث على الأمل و الإفتخار وهي أن اللغة العربية كلغة إنتماء لمغاربة العالم بمختلف مشاربهم ، تبقى لغة جذابة بأصولها و قواعدها و بعمق بلاغتها بالنسبة لأعداد كبيرة منهم و حتى بالنسبة للأجانب و المنحدرين من ثقافات أخرى . كما يرجع للمساجد وللمراكز الثقافية على الخصوص الفضل في هذا الإنفتاح العالمي على لغة الضاد ، و في المجهودات المبذولة لتبسيط التلقين بالنسبة للمبتدئين وتجاوز العوائق من جهة ، ومن جهة أخرى التشجيع على مزيد من الإنخراط في التعلمات وتسهيل التمكن اللغوي .
إن بروز العديد من الكفائات التي تتقن اللغة العربية بل و تبدع فيها لا سيما في السنوات الأخيرة و في مجال العلوم الإنسانية على الخصوص من أدب و شعر وسوسيولوجيا و إعلام ، لخير دليل على أن لغة الضاد بألف خير ، بل هي لغة عالمية حتى وإن تكالب عليها من يدركون جيدا خطرها على مصالحهم وعلى مخططاتهم .
كما أن نجاح العديد من اللقائات الفكرية و الثقافية و العلمية و كذا محاضرات دولية قيمة يرجع بالأساس إلى أنها تتبنى اللغة العربية في برمجتها و في التسويق لها .
و سوف نختم بالقول و بالتأكيد على أنه لن يكون هناك جسر و لا لسان أنجح و لا أكثر تأثيرا من لغتنا الأم المقدسة للمرافعة بخصوص قضايانا العادلة و بخصوص قضيتنا الوطنية ، و كذلك للتصدي لكل هجمات خصومنا و أعدائنا الماكرة و الغادرة . و لعمري هذا ما يقوم به اليوم أبناؤنا و شبابنا و مناضلونا الغيورين في بلاد المهجر في السنوات الأخيرة .