الهجرة واللجوء …أية مقاربة؟
عبد العزيز بلحسن
- تقديم :
يشهد العالم نزوحا سكانيا غير مسبوق، و أصبحت الهجرة و اللجوء ظاهرة عالمية منتامية، مست جل دول العالم، كما يلاحظ في البحوث والدراسات خلط بين المهاجر و اللاجىء. فما هي الأسباب التي أدت إلى تفاقم الظاهرة و كيف تعامل المنتظم الدولي ممثلا في في المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين لمعالجة الظاهرة و تداعياتها السلبية ؟
و كيف تعاملت الدولة المغربية مع الظاهرة،علما أن المغرب لم يعد بلد العبور فحسب، بل أصبح بلد استقرار للمهاجرين و طالبي اللجوء، من مختلف الجنسيات ، من أفغانستان، باكستان، اليمن، سوريا، العراق، ليبيا… وخصوصا من إفريقيا جنوب الصحراء؟
و هل التزمت الدولة المغربية بالاتفاقيات الدولية في مجال الهجرة و اللجوء؟
و ما هي الرؤية الحقوقية الجديدة لمعالجة الظاهرة ؟
- الهجرة و اللجوء ظاهرة عالمية و متنامية
بسبب كثرة النزاعات المسلحة و الحروب و تدخل القوى الامبريالية في العديد من مناطق النزاع، من أجل إذكاء الحروب الأهلية والصراعات الإثنية و الدينية و المذهبية و بفعل جرائم الاحتلال الصهيوني في فلسطين وسوريا و لبنان و اليمن … و كذلك ظاهرة الجفاف التي مست العديد من مناطق العالم و ما نتج عنها من مجاعة بالإضافة إلى كوفيد19، بفعل هذه العوامل و غيرها؛ تنامت ظاهرة النزوح الجماعي و الفردي و أضحت ظاهرة الهجرة و اللجوء و ما يرافقها من هضم لحقوق هؤلاء اللاجئين و المهاجرين ظاهرة الألفية الثالثة، مما تطلب تضافر جهود الأمم المتحدة و كل الأطراف من حكومات و جمعيات حقوقية و مجتمع مدني للحد من التداعيات الخطيرة للهجرة و اللجوء.
حسب إحصائيات إدارة الشؤون الاقتصادية والاجتماعية التابعة للأمم المتحدة لسنة 2020 وصل عدد المهاجرين ما يقارب 280.6 مليون مهاجر(ة) من أصل 7.8 مليار نسمة أي ما يمثل 3.6 % من عدد سكان العالم . تمثل النساء فيها نسبة 48.1 % . وحسب نفس المصدر صل عدد المهاجرين في دول أوروبا الغربية 33.2 مليون مهاجر(ة) أي بنسبة 16.9%من المعدل الإجمالي للسكان تحتل المهاجرات منه 50.7%
- مفهوم المهاجر
المهاجرون أشخاص يقيمون في دولة أجنبية لأكثر من سنة بغض النظر عن الأسباب سواء كانت طوعية أو كرهية/قسرية، و بصرف النظر عن الوسيلة المستخدمة للهجرة سواء كانت نظامية أو غير نظامية .
- مفهوم اللاجىء
يقصد باللاجئين أشخاص لايمكنهم العودة إلى بلدهم الأصلي بسبب خوف له ما يبرره من التعرض للاضطهاد أو الصراع أو العنف أو ظروف أخرى أخلت بالنظام العام بشكل كبير، و هم بالتالي بحاجه إلى الحماية الدولية.
- اللاجئون هم فئة من المهاجرين
هناك من يخلط بين اللاجئين و المهاجرين، لذا وجب التوضيح و الإشارة إلى أن اللاجئين هم فئة من المهاجرين، هذا الخلط يمكن أن يؤثر بشكل سلبي على الفارين من الاضطهاد و الصراع و نعني بهم طالبي اللجوء السياسي.
كل الناس الذين يتنقلون بين الدول يستحقون الاحترام الكامل لحقوقهم الإنسانية و كرامتهم، إلا أن اللاجئين هم مجموعة محددة و محمية في القانون الدولي، لأن الوضع في بلدانهم الأصلية يجعل من المستحيل بالنسبة لهم العودة إليها، و إطلاق تسمية أخرى على فئتهم يمكن أن يعرض حياتهم و أمنهم للخطر، و قد تم الاعتراف بالفارق المهم بين اللاجئين و المهاجرين من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة في * إعلان نيويورك بشأن اللاجئين و المهاجرين * و هو قرار اتخذته الجمعية العامة للأمم المتحدة في 19 شتنبر 2017و قد انبثق عن هذا القرار ميثاقين سنة 2018:
1*- الميثاق العالمي لللاجئين
في 17 دجنبر 2018 أقرت الجمعية العامة للأمم المتحدة الميثاق العالمي بشأن اللاجئين، و يعد هذا الميثاق إطارا لتقاسم المسؤوليات بشكل أكثر إنصافا وقابلة لاستشراف خطط مواجهة ظاهرة اللجوء. و من أهدافه:
- ضمان وصول اللاجئين بشكل أفضل إلى فرص الصحة و التعليم و سبل كسب العيش، من أجل تسهيل اندماجهم في المجتمعات المضيفة.
- دعم الحكومات المضيفة عندما تواجه موجات كبيرة من اللاجئين.
- وضع ترتيبات لتقاسم الأعباء، في مجالات تحتاج إلى الدعم، بدءا من الاستقبال و القبول و تلبية الاحتياجات و دعم المجتمعات المضيفة وصولا إلى الحلول.
2*- الميثاق العالمي من أجل الهجرة الآمنة والمنظمة
و هو أول اتفاق حكومي دولي، تم إعداده بمراكش، في 10 دجنبر2018
و قد رحبت المفوضية السامية لحقوق الإنسان بالاتفاق العالمي كإطار مهم من أجل تعزيز إدارة الهجرة التي تضع مسألة المهاجرين و حقوقهم الإنسانية في صميم اهتماماتها و تقدم فرصة سانحة من أجل تعزيز حماية حقوق الإنسان لجميع المهاجرين، بصرف النظر عن وضعهم. و يستند هذا الاتفاق العالمي على القانون الدولي الإنساني و قد شكلت مضامينه معاييرمحددة و ضمانات شاملة، تهم جميع حقوق كل فئات المهاجرين: أطفال، نساء …
- التزامات الدول الأطراف
إن الدول الموقعة على اتفاقيات الهجرة و اللجوء ملزمة بما يلي :
أن يتم استقبال المهاجرين و طالبي اللجوء بشكل يتسم بالحساسية و الإنسانية وحفظ الكرامة و مراعاة الجنسانية و السرعة، و خاصة للذين يصلون منهم في إطار حركات نزوح كبرى، سواء كانوا من اللاجئين أو المهاجرين وأن يكفل أيضا الاحترام الكامل و الحماية التامة لحقوق الإنسان و الحريات الأساسية الواجبة لهم؛ مع عدم إجراء الإعادة القسرية بما فيها إعادة الأفراد إلى الحدود و كذلك حماية النساء و الأطفال و خصوصا غير المصحوبين والمنفصلين عن أسرهم ، مع أحترام بنود اتفاقية حقوق الطفل و الأشخاص في وضعية إعاقة و منع و مكافحة الاتجار بالأشخاص و تهريب المهاجرين مع التصديق على الصكوك الدولية ذات الصلة و تنفيذها و كذلك التشجيع على التصديق على اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية و البروتوكولين الملحقين بها .
- التزامات المغرب حول الهجرة و اللجوء
إن الموقع الجغرافي المتميزللمغرب، بتوفره على واجهتين بحريتين/ متوسطية و أطلسية و قربه من أوروبا و وجود تخوم مع مدينتي سبتة و مليلية المحتلتين، يجعل منه بلدا جاذبا للمهاجرين و طالبي اللجوء، من مختلف مناطق العالم و خصوصا، التي تشهد المجاعة و الحروب الأهلية و النزاعات المسلحة، لكن مع التشدد الأوربي أمام تدفق الهجرة و إغلاق حدودها حتى مقابل الهجرة المنتظمة و حرية التنقل بين الدول التي تكفلها المواثيق و العهود الدولية، لم يعد المغرب ممرا للعبور فحسب، بل أصبح بلد استقرار للمهاجرين و طالبي اللجوء.
فكيف تعامل المغرب مع هذه المستجدات و ما هي التزامته حول الهجرة و اللجوء ؟
لقد صادق المغرب لى اتفاقية جونيف الخاصة بوضع اللاجئين بتاريخ:
26 غشت 1957 و في سنة 2014 اعتمد سياسة جديدة في مجال الهجرة و اللجوء. و في 14 أبريل 2021 وقع المجلس الوطني لحقوق الإنسان اتفاقية إطار تهدف أساسا إلى تعزيز المنظومة الوطنية لحماية حقوق اللاجئين.
و طالب بتغيير القانون المتعلق بدخول و إقامة الأجانب بالمغرب رقم 02.03 و الذي صدر في مرحلة اتسمت بالتشدد و مكافحة الإرهاب سنة 2003 و لم يعد يستجيب مطلقا للأهداف الاستراتيجية الوطنية للهجرة و اللجوء التي بنيت على مقاربة شاملة و إنسانية و احترام حقوق الإنسان كما أكد على التسريع باعتماد القانون رقم 66.17 المتعلق باللجوء و شروط منحه، ما يضمن الاعتراف الفعلي بوضعية لاجىء التي تمنحها مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين مع مراعاة المقتضيات الدستورية و المبادىء المتضمنة في الميثاق العالمي بشأن اللاجئين. كما أوصى بإصدار النص التنظيمي الذي يحدد المقرات و الأماكن التي يتم فيها الاحتفاظ بالأجانب خلال المدة اللازمة لمغادرتهم إذا كانت الضرورة تدعو إلى ذلك، كما طالب المجلس التسريع كذلك باعتماد القانون رقم 72.17 المتعلق بدخول و إقامة الأجانب و الهجرة بالمغرب؛ بما يضمن تمتع المهاجرين بحقوقهم الأساسية و المنصوص عليها في الاتفاقية الدولية لحماية حقوق جميع المهاجرين و أفراد أسرهم، مع مراعاة المبادىء المتضمنة في الاتفاق العالمي من أجل الهجرة الآمنة و المنظمة و النظامية، على ضوء ما سبق، فالمغرب مطالب بالتصديق على جميع الاتفاقيات و العهود و المواثيق الدولية المتعلقة بالهجرة و اللجوء و بإخراج نصوص قانونية جديدة تؤطر الهجرة و اللجوء بالمغرب مع ملاءمتها للتشريعات الدولية في هذا المجال و التعاون مع فرع المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين بالمغرب، من أجل تسهيل عملها و الاتزام بقراراتها في مجالي الهجرة و اللجوء .
إلى غاية فاتح فبراير2021 تم إحصاء 8300 لاجىء(ة) منهم/هن 5700 طالب(ة) لجوء، أي ما مجموعه 14 ألف شخص موزعين على 75 مدينة في مختلف جهات المغرب. على الدولة المغربية تسوية وضعية طالبي اللجوء القانونية ليتسنى لهم التمتع بحقوقهم الأساسية.
- دور المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين
تسعى المفوضية السامية لضمان أن تأخذ السياسات والممارسات والمناقشات المتعلقة بإدارة الهجرة و اللجوء في الاعتبار احتياجات الحماية المحددة لطالبي اللجوء و الأشخاص عديمي الجنسية، و الاعتراف بالإطار القانوني القائم لتلبية هذه الاحتياجات .
تساعد المفوضية الدول و الشركاء على تلبية التحديات المتعلقة بإدارة الهجرة و اللجوء مع مراعاه المخاوف المتعلقة بالحماية للأشخاص المشمولين بولاية المفوضية؛ من خلال دعم و تعزيز الحوكمة و مراعاة الطابع العالمي لحقوق الإنسان، بما في ذلك حقوق جميع الأشخاص المتنقلين بغض النظرعن صفتهم القانونية، و ذلك بطرق تعزز مبادئ و ممارسة الحماية الدولية للاجئين.
و لتحقيق هذه الأهداف تجمع المفوضية و تحلل البيانات و الاتجاهات، و تطور السياسات و التوجيه، وتنفذ البرامج و توفر الدعم العملياتي للحكومات و أصحاب المصلحة الآخرين حول التحركات المختلطة(رجال، نساء، أطفال ) و المسائل ذات الصلة مثل الاتجار بالأشخاص والحماية في البحر .
- المقاربة الحقوقية لمعالجة الظاهرة
إن المعالجة الحقوقية لظاهرة الهجرة و اللجوء تقتضي الارتكاز على القانون الدولي الإنساني المؤطر لهذه الظاهرة و خصوصا الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في المواد التالية:
المادة 13
لكل فرد حق في حرية التنقل و في اختيار محل إقامته داخل حدود الدولة.
لكل فرد حق مغادرة أي بلد، بما في ذلك بلده، و في العودة إليه .
المادة 14
لكل فرد حق التماس ملجأ في بلدان أخرى و التمتع به خلاصا من الاضطهاد.
المادة 15
لكل فرد حق التمتع بجنسية ما .
لا يجوز تعسفا، حرمان أي شخص من جنسيته و لا من حقه في تغيير جنسيته .
بالإضافة إلى التصديق و التفعيل لكل الاتفاقيات و المواثبق المتعلقة بالهجرة و اللجوء بما يعنيه ذلك من إلتزام تام بكل توصيات المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، مع العمل على إصدارتشريعات وطنية تتلائم مع الصكوك و العهود و المواثيق الدولية في مجال الهجرة و اللجوء، حتى يتمتع كل المهاجرين و طالبي اللجوء بحقوقهم الأساسية، كالسكن و الشغل و التعليم و الصحة… و بالموزاة مع كل هذا العمل لابد من نشر ثقافة التعايش مع المهاجرين و اللاجئين داخل المجتمع المغربي و نبذ كل أشكال الكراهية و العنصرية و خصوصا مع المهاجرين القادمين من دول جنوب الصحراء، بالنظر إلى كثرة عددهم و التمييز الذي يطالهم بسبب اللون.
و أن لا يصبح المغرب دركيا لأوروبا مقابل بضع ملايين من الدولارات، و خصوصا في التخوم مع مدينتي سبتة ومليلية المحلتين و في الواجهات المتوسطية و الأطلسية و القطع مع تجريم الهجرة و اللجوء و حتى لا تتكر مأساة يوم 24 يونيو 2022 على حدود مليلية المحتلة، حين سقط العشرات من القتلى و المعتقلين و المئات من الجرحى و المفقودين بتواطؤ مكشوف بين الدولتين: اسبانيا و المغرب.
One Response
أرى المفردات غضبى لا تطاوعني لأعبر عن حالة الفخر والاعتزاز بك ياعبد العزيز. كبرت ياترييو وكبرت في عيني. ما كنت أعلم أنك على هذا المستوى الرفيع في الكتابة. حفظك الله . مشتاق لرؤيتك والله.