لقاء العمالقة
محاورة بين
الكاتب الإيطالي ذو الأصل الألماني
Claudio Magris
والروائي العالمي البيروفي
Mario Vargas Liosa
تحت عنوان مثير
(الأدب هو انتقامي)
عرض وترجمة: عبد الكريم وشاشا
إن نعقد الحوار: أن نتحاور يعني أن نتداخل ونتورط.
المحاورة ورطة؛ محاورة حول مفاهيم (الرواية. الثقافة والمجتمع….) :
* فالرواية هي الجنس الأدبي الذي يتعرض أكثر من غيره للرقابة ويتم حجزه أو منعه: فالمستبدون أيا كانت انتماءاتهم ومنابعهم دينية أو سياسية من أقصى
اليمين إلى أقصى اليسار يحرصون دائما على وضع أنظمة الرقابة سعيا منهم للتحكم في الخيال وخنقه، لأنهم يرون في الأدب خطرا يهدد وجودهم، إنهم ليسوا مخطئين في ذلك، فالمجتمعات المحرومة من أدب حقيقي سهلة الانقياد، مطيعة بمواطنين ممتثلين غير مستقلين بدون خيال ولا حس نقدي يستحملون الطغيان والاستبداد بقدر وصبر واستسلام.
الأدب بيان عن الثورة والانتفاضة ضد النظام، ضد نظام العالم نفسه.
• إن الواقع عكس ما قاله هيجل، ليس دائما عقلانيا، هذا ما تعلمنا إياه (المغامرة الأدبية).
• إن دور الأدب هو استكشاف المجاهيل القصية للنفس البشرية بزخمها وعثراتها وتجاذباتها.
• والأدب يحاول مساعدتنا على فهم وإدراك حجم الفوضى والدمار الذي يجتاح كينونتنا ووجودنا: على خشبة هذا المسرح الكبير حيث تجري وقائع مغامرتنا الإنسانية بكل الغموض والأسرار المحيطة بنا.
• فالأجوبة دائما متناقضة غير مكتملة تسعى جاهدة إلى أن تنير لنا الطريق وأن تبدد الضباب الذي يكتنف واقع يظهر لنا فجأة في فسحة صغيرة من الزمن.
• فالأدب الكبير/ أو العظيم (La grande littérature) هو شكل وطريقة استثنائية ومدهشة لاستكناه الواقع ويمثل أداة فريدة لا غنى عنها لتنظيم وترتيب الواقع الفعلي الذي هو أصلا تغمره الفوضى من كل جانب…
فالكاتب الحقيقي هو الذي يتوفق في تحديد ورصد نظام تحجبه بشاعة وعبثية الوجود.
فالأدب والفن بصفة عامة هو استطلاع واستكشاف العالم والهاوية التي تقبع فيها الإنسانية.
بهذا الدور أو الوظيفة الخاصة يصبح التمرين الأدبي (ثقافة) وبعبارة أخرى (رؤية للعالم).
• وحسب Ernesto Sabatoأحد القمم الروائية في القرن العشرين والذي استطاع بمقدرة الوصول إلى تلمس المناطق الأكثر عتمة المثيرة والمقلقة في النفس الإنسانية؛ يؤكد على أنه توجد كتابة ليلية/ حالمة (nocturne) حيث القلم يخط ضدا على إرادة الكاتب العاقلة: الأسرار الحميمية والمسارب الخفية والفانتازم الكامن في أعماق أعماقه ويرسم المخلوقات الخيالية التي تسكن وتلتصق بداخلنا ينفخ فيها الروح ثم يكسوها بلحم ودم ونسغ ونبض الحياة.
• ثم دار الحديث بشغف عن الأوديسا ودون كيشوت وحول مفهوم الزمن في الرواية الحديثة كما تناول بدقة وإصرار مجموعة من القضايا المعاصرة:
الديمقراطية، حقوق الإنسان، الهويات، ثم عاهات وأعطاب الممارسة السياسية وفي نفس الوقت أهميتها القصوى في الانخراط والإرادة لفهم العالم الذي نعيشه وتغييره والدور الأساسي للثقافة والفن في ذلك.
فالعقل والعاطفة مازالا إلى حد الآن يشكلان بوصلة ضرورية وحيوية لمواجهة الزمن الذي نحن فيه.
• الكتاب الكبار يغنون ثقافتنا والأكثر من ذلك فبقوة خيالهم وإبداعهم يلجون إلى حياتنا: يغيرون إحساسنا بالزمن وبتاريخنا الفردي والجمعي؛ فالأدب بيان عن الثورة والانتفاضة ضد النظام، ضد نظام العالم نفسه.
• فالرواية هي الجنس الأدبي الذي يتعرض أكثر من غيره للرقابة ويتم حجزه أو منعه: فالمستبدون أيا كانوا دينيون أو سياسيون من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار يحرصون دائما على وضع أنظمة الرقابة سعيا منهم للتحكم في الخيال وخنقه، لأنهم يرون في الأدب خطرا يهدد وجودهم، إنهم ليسوا مخطئين في ذلك، فالمجتمعات المحرومة من أدب حقيقي سهلة الانقياد، مطيعة بمواطنين ممتثلين غير مستقلين بدون خيال ولا حس نقدي يستحملون الطغيان والاستبداد بقدر وصبر واستسلام.
مسألة الزمن في الرواية
الزمن في الرواية وفي كل رواية هو ليس الزمن الواقعي، هو زمن مغاير في جريانه للزمن الذي نولد ونعيش ونموت فيه، هو زمن خيالي متخيل مثله مثل السارد والأحداث والشخصيات في العمل الروائي؛ لأن الزمن الواقعي هو زمن الفوضى، وزمن الرواية نبدعه لمواجهة هذه الفوضى والضياع، ولبعث الأمل المفتقد… الزمن في الرواية يجب أن نتخيله وفق الحكاية التي نريد أن نرويها، ليس هناك نظامين زمنيين متطابقين في الرواية؛ من الممكن أن يتشابها، ولكن عندما نغوص في المياه الجوفية للرواية نكتشف اختلافات جوهرية
ففي الرواية يمكن للزمن أن يتسارع ثم يتوقف فجأة، ويدور حول نفسه، يمكن له أن يتقدم أماما ويعود وراء، ثم أماما ووراء بطريقة لا يمكن أن تحدث في الزمن الواقعي؛ لكنه في كل حركاته وسكناته وفي كل أزمنته يشترط أن لا يكون متعسفا وعشوائيا، يجب أن نبرر ذلك بالحكاية التي نرويها، وبالأحداث التي نفككها وتلك التي نحجبها لخلق مناخ من الترقب والغموض، أو نوع من عدم اليقين الضروري لنشد القارئ بتلابيبه ونجعله يعيش لحظات تقطع أنفاسه تضمن سلطة إقناع ناجعة.
بنيات زمانية هي دائمة متخيلة لكنها غير اعتباطية، وهي لازمة في بناء الحكاية خاصة في عصرنا الحديث، اللعب بالأزمنة ضرورة في الإبداع الروائي
عرض وترجمة: عبد الكريم وشاشا