لماذا المسيرة الشعبية ضد السياسة الحكومية؟ ..
بقلم صافي الدين البدالي
المسيرة الشعبية ليوم الأحد 4 دجنبر 2022 بالرباط التي دعت إليها الجبهة الاجتماعية المغربية التي تضم المكونات السياسية التقدمية والديمقراطية والمركزيات النقابية التقدمية والجمعيات الحقوقية، إضافة الى الجمعية المغربية لحماية المال العام وجمعيات المجتمع المدني، هي المسيرة الثانية من نوعها خلال هذه السنة بعد منع المسيرة الأولى بالدار البيضاء التي تحولت بفضل تشبت المناضلات والمناضلين الى وقفة احتجاجية نتيجة الحصار الأمني الحديدي المفروض عليها. أتت في إطار استمرار الجبهة الاجتماعية في التعبئة من أجل تنظيم مسيرة تحت شعار ” جميعا ضد الغلاء والقمع والقهر”
ما هي الدوافع التي جعلت الجبهة الاجتماعية تنظم هذه المسيرة وفي هذه الظرفية، أي مسيرة الأحد 4 دجنبر 2022؟
لقد دعت الجبهة الاجتماعية المغربية لهذه المسيرة في سياق وطني أصبح يتسم بالفساد السياسي والبؤس الاجتماعي ونهب المال العام، الثروات الطبيعية والاستيلاء على الملك العمومي. في هذا الإطار يمكن التطرق الى ما يلي:
أولا: على المستوى الاجتماعي:
يتميز الوضع الاجتماعي المغربي بظاهرة الفقر و القهر و القمع نتيجة ارتفاع أسعار المواد الأساسية كالدقيق، السكر، الحليب ومشتقاته، اللحوم الحمراء، الدواجن والأسماك، مما أدى الى معاناة الغالبية العظمى من الشعب المغربي من الغلاء و من القهر الاجتماعي بحيث أن معدل الفقر المطلق انتقل من 1.7 في المئة سنة 2019 إلى 3 في المائة خلال 2021 على المستوى الوطني، ومن 3,9 في المائة إلى 6,8 في المائة في المناطق القروية، ومن 0,5 في المائة إلى 1 في المائة في المناطق الحضرية، حسب معطيات المندوبية السامية للتخطيط (13 أكتوبر 2022 ) . لتحطم بذلك حكومة عزيز أخنوش الرقم القياسي بازدياد عدد الفقراء بنسبة ثلاثة ملايين.
الى جانب مظاهر الفقر التي تحاول الحكومة اخفاءها أو تجاهلها، هناك عامل الجفاف الذي ازدادت حدته على المستوى الفلاحي والمياه السقوية ومياه الشرب. بحيث أصبحت الحكومة تراهن على الغيث بدل ان تعمل على تدبير المرحلة والحفاظ على التوازنات الاجتماعية. مع العلم أن المغرب سبق وأن عاش سنوات عجاف في السبعينات وفي بداية الثمانينات من القرن الماضي، إلا أن الحكومات السابقة تعاملت مع الوضع بما يلزم من تدخلات للحفاظ على التوازنات الاجتماعية والبيئية والمجالية، بالرغم من ضعف الإمكانيات اللوجيستيكية والبنيات التحتية بالمقارنة مع ما تتوفر عليه الدولة المغربية الآن.
الحكومة الحالية فشلت في تدبير أزمة الجفاف كما فشلت في تعبئة الكفاءات البشرية والمادية لإنقاذ الموسم الفلاحي على الأقل والحفاظ على المياه من التبذير غير المعقلن.
ثانيا: أما على المستوى الاقتصادي:
لم تستطع الحكومة الحالية تحرير الاقتصاد المغربي من التبعية ومن الديون الخارجية وتحقيق اقتصاد وطني يكون ركيزة التنمية المستدامة كما هو الشأن بالنسبة لدول في آسيا وفي إفريقيا وجنوب أمريكا، التي تخلصت من التبعية الاقتصادية المشروطة ومن سرطان صندوق النقد الدولي. لقد استمرت في الاعتماد على القروض إذ أنه من المتوقع ان يبلغ الدين الداخلي 731 مليار درهم (69.30 مليار دولار) في سنة 2022، بارتفاع ب 7.7 % مقارنة مع سنة 2021 في حين سيبلغ الدين الخارجي ارتفاعا ب 9.9 % منتقلا من 208 مليار درهم (19.72 مليار دولار) في سنة 2021 الى 229 مليار درهم (21.71 مليار دولار) في سنة 2022. هذه الأرقام تظل مخيفة في ظل حكومة تسعى الى إغراق البلاد في مستنقع القروض مما يؤثر على خزينة الدولة وعلى التزاماتها تجاه المواطنين والمواطنات. في هذا السياق ذكر خبراء مركز البحث التجاري للدراسات بأن الحكومة ظلت عاجزة عن مكافحة الفساد الذي أصبحت تكلفته تفقد المغرب حوالي 5 في المائة من ناتجه الداخلي الخام، أي ما يعادل 50 مليار درهم (5000 مليار سنتيم) سنوياً، وهو ما يفوت على البلاد إمكانية تشييد 150 مستشفى و300 مدرسة بالمواصفات الدولية. هذا ما أدى الى تصنيفها دائما في الرتب الأخيرة في سلم التنمية البشرية بالرغم من الخطابات الرسمية والادعاءات الحكومية التي تحاول توهيم الرأي العام بعكس ذلك.
إن حكومة أخنوش لم تقدر المسؤولية السياسية حق قدرها ولم تقدر التفويض الشعبي لها حق قدره، لأنها لم تعمل على حماية الشعب من الاستغلال من طرف لولبيات الفساد والاقطاعيين الجدد الذين لا يرون في البلاد إلا ما ينفعهم ولو على حساب الطبقة الشعبية الفقيرة والمتوسطة. لقد أبانت عن فشلها في تدبير الشأن العام للبلاد، لكن بالمقابل ظلت تسعى إلى حماية الفساد والمفسدين وناهبي المال العام وقمع الحريات والتضييق على الصحافة الجادة واعتقال الصحافيين أصحاب الرأي المخالف وسجنهم. ويتجلى السلوك اللاوطني في سلسلة من القرارات الخطيرة التي اتخذتها حكومة اخنوش التي نذكر من بينها عل سبيل المثال: سحب مشروع قرار قانون “الإثراء غير المشروع”، ومشروع “احتلال الملك العمومي” من البرلمان. هي خطوات تؤكد سياسة اقتصاد الريع والاقتصاد غير المهيكل الذي يكلف الدولة خسائر جسيمة اجتماعية واقتصادية. في هذا الصدد أوضحت دراسة المانية نشرها موقع “جيكا” التابع لمعهد GIGA الألماني للدراسات العالمية والمجالية ” أن النظام السياسي في المغرب يرتكز على ثلاثة عناصر أساسية لصناعة النخب السياسية والاقتصادية في المملكة من خلال شراء الولاءات ومنح الامتيازات واتباع سياسة الريع الاقتصادي، والفساد كخيار استراتيجي للنظام الحاكم وأداة من أدوات الحكم والتحكم والقضاء على الرموز الشرعية والشعبية. على سبيل المثال، تنازلت الدولة في سنة2011 وحدها عن 32 مليار درهم (أي ما يُعادل 4 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي)، من خلال تقديم إعفاءات ضريبية لعدد من القطاعات، بما في ذلك أنشطة تطوير العقار الزراعة الرأسمالية التي تدرّ على أصحابها أرباحاً مهمة. ولا تزال الدولة المغربية تقدم عشرات المليارات من الدراهم الى لولبيات العقار من خلال الامتيازات التفضيلية والإعفاءات الضريبية تحت ذريعة الاستثمار، إذ تم تفويت آلاف الهكتارات من املاك الدولة أو الأوقاف أو أراضي الجموع والأراضي السلالية لشركات موالية للحكومة من أجل بناء السكن الاجتماعي والاستثمار السياحي.
إن سياسة الريع المتبعة من قبل حكومة أخنوش تعتبر امتدادا لسياسات الأعيان الرافضة لمحاربة الفساد الذي أنهك الاقتصاد الوطني وأنهك جيوب المواطنين والمواطنات البسطاء. والرافضة لتجريم الإثراء غير المشروع الذي يعتبر من أهم الاجراءات التي اقترحتها هيئة الحوار الوطني لإصلاح منظومة العدالة في المغرب وظهور الحاجة إلى مشروع قانون جنائي جديد. لكنه للأسف عرف تعثرا بعد سنوات من العرقلة إلى أن تم سحبه من طرف حكومة أخنوش من البرلمان في خطوة غير مسبوقة، مما يؤكد التزامات الحكومة الرامية الى حماية الفساد والمفسدين على نطاق واسع.
حكومة أخنوش هي حكومة قهر، قمع وفقر بامتياز، لذلك جاءت المسيرة الشعبية كتعبير عما يعرفه المغرب من تخلف ومن تبعية لسياسة الدول المانحة للقروض والتي فرضت نفسها على البلاد من أجل التنقيب على الغاز والبترول وستكون هي المستفيد الأول. فكلما أعلنت شركة أجنبية للتنقيب عن النفط والغاز في المغرب عن اكتشاف مناطق إنتاج جديدة للغاز الا وكان الهدف من وراء ذلك رفع أسهمها في بورصة التداول لجني أرباح طائلة على حساب نفسية الشعب المغربي وانتظاراته حتى لا يقوم بأية انتفاضة ضد الحكومة.
المسيرة الشعبية هي فقط اعلان عن استمرارية النضالات ضد الفقر القهرو التجويع.