بقلم خالد بوخش
لماذا الإشاعة تنتشر كالنار في الهشيم في مجتمعاتنا ؟ عكس الخبر الحقيقي؟ لأن الإشاعة سهلة؛ تحتاج فقط لشفتين و نفس مهترئة مجروحة لا مبادئ عندها و لا عقل؛ و الإنسان عموما يميل إلى السهل لكي ينفس عن عقده و اضطراباته و تأويلاته الذاتية؛ عوض أن يقاوم و يرتقي بنفسه إلى الموضوعية و تنقيب الواقع الخارجي و البحث المضني الجاد بعيدا عن الذاتوية النرجسية.
و ستتكاثر الإشاعة في الأيام المقبلة؛ إن لم يتم محاصرتها بالتربية و التنشئة الضابطة و القانون الرادع؛ خصوصا مع بروز التكنولوجيا التي توفر حاضنة بشرية أكبر و نقل أسرع للإشاعة. إن الإشاعة لها أضرارا كبيرة على المجتمع؛ حيث تبطئ من معرفة الخبر اليقين و تهدر وقتا كبيرا عند البحث؛ ثم أنها تمنح معطيات خاطئة على الواقع؛ ما يجعل إيجاد الحلول السليمة للواقع مستعصيا. الإشاعة هي الكذب؛ و الكذب يشوه الواقع بل و يرفضه؛ و من يشوه الواقع و يرفضه يبقى في مشاكله يتخبط فيها إلى أجل غير مسمى.
إن الإشاعة تنشأ في مجتمع شفهي لا يقرأ و لا يبحث و لا يكتب؛ مجتمع تنخره الأمية إلى أبعد الحدود؛ و ” تخرج قرونها” في مجتمع تستهويه “النميمة” و “أعراض الناس”؛ و هذا نتيجة عدم إحساس الفرد بانتمائه للمجتمع أو الوطن؛ لا يحس أنه معترف به و فاعل و مساهم في أحوال وطنه و مجتمعه؛ فيتحول إلى طفيلي نشاز يأكل من فضلات البارزين لعله يعيد اعتباره و اعترافه لذاته بتلك الطريقة البئيسة. لا نتحدث هنا عن الإعتراف بإنجازاته؛ بل الإعتراف كما صاغه الفيلسوف هيجل يتجاوز الإعتراف بما حققه الفرد من إنجازات؛ بل يتخطاه إلى الإعتراف به كما هو؛ اعتراف بإرادته و اعتراف بوجوده بغض النظر إن كان فاعلا أو لا؛ فكيف بعدم الإعتراف به و هو فاعل و منجز كما يحدث الكثير من المرات !!؟ كيف نريد منه أن لا يكذب؟
في مجتمعاتنا؛ كما لا يخفى على أحد؛ فالمواطن مازال شاردا؛ لم يجد بعد؛ إلى حد ما؛ مؤسسات تحتويه و تحتضنه و تعترف به إنسانا و فقط، فيرتمي إلى الإشاعات فيكذب على الآخرين و هو لا يدري أنه يكذب على نفسه أولا؛ لأنه بذلك يخلق واقعا موهوما غير الواقع الذي يعيش فيه؛ لأن الذي أشاع عنه الكذب ينتمي لواقعه هو بالذات؛ و بالتالي فلن يستطيع تغيير لا المجتمع و لا حتى نفسه.
يستحيل محاربة الإشاعة من أجل الخبر اليقين؛ في مجتمع ينخره الفقر؛ لأن الفقير يحس أنه مغترب عن المجتمع؛ الشيء الذي سيجعله يختلق أخبارا زائفة كي ينفس عن معاناته المادية؛ و يستحيل أيضا مع مواطنين أميين و نصف متعلمين يطغى على عقولهم الجهل المقدس و المركب؛ مع مجتمع لا يقرأ إلا “ورقة الما و الضضو”.
و عليه؛
و بما أن الفرد ابن بيئته؛ عوض لوم الذين ينشرون الإشاعة؛ علينا أن نلوم أنفسنا جميعا؛ أفرادا و مجتمعا و مؤسسات و دولة؛ فنحن البيئة و نحن الأفراد. ما أبشعنا جميعا رغم ادعائنا العكس؛ كيف سيتم التغيير؛ و نحن نرى أمام أعيننا نخب المجتمع ( قاطرة التغيير)؛ إلا ما رحم ربك؛ ” يا حسرة” تتصارع و تنشر الكذب على بعضها البعض من أجل الانتصار للذاتوية الفردية؟
عندما ترى رب البيت للطبل ضاربا
فلا تلومن أهل البيت على الرقص.