بقلم شاكر بوعسل أفاسي
خلال الثلاثين سنة الأخيرة، ارتفع عدد ضحايا الكراهية والعنصرية في الدولة الاسبانية بشكل ملحوظ جدا مما جعل قائمة جرائم القتل بسببها طويلة وعريضة. بدأت باغتيال لوكريسيا بيريسLucrecia Pérez مهاجرة من الجمهورية الدومنيكية في أمريكا اللاتينية في 13 نونبر 1992 مرورا بارتكاب 101 جريمة كان ضحيتها أكثر من 103 من القتلى حسب دراسة وتحقيقات مدققة قام بها وأنجزها كل من الصحفيين المقتدرين ميكيل راموس ودافيد بو Miguel Ramos y David Bou. لتصل الى المرحوم يونس بلال لينضاف الى قائمة الضحايا، التي تعتبر وشمة عار على جبين هذا المجتمع بكل مؤسساته ومختلف فعالياته.
المجتمع الاسباني كباقي المجتمعات الاوربية ومجتمعات الدول النامية والمتقدمة هو قبلة للمهاجرين من كل بقاع العالم للاستقرار والعمل والبحث عن آفاق مستقبل أحسن.
بالرغم من أنه في الماضي القريب كان مجتمعا مصدرا للمهاجرين الا اننا في غالب الأحيان نلمس عدم تخلصه في توجهاته العامة من عقدة الهجرة، هذه الأخيرة التي يعتبرها من بين أهم مشاكله وقضاياه وتحتل مرتبة متقدمة في سلم انشغالاته واهتماماته، حسب مختلف استطلاعات الرأي وخصوصا المتزامنة منها بالحملات الانتخابية التي أفرزت لنا برلمانات متعددة وحكومات مختلفة.
من خلال تتبعنا للحملات الانتخابية الوطنية منذ سنة 2000 الى يومنا هذا، لا يمكن ان نستثني الهجرة كموضوع رئيسي حاضر بشكل قوي في النقاشات والخطابات السياسية، يوظف بمختلف الأشكال حسب مرجعية وحسابات الأحزاب السياسية في جلب الدعم وكسب الأصوات وحسب كل محطة زمنية وشروطها الاقليمية والدولية والرهانات المرافقة لها على مستوى الاتحاد الأوربي. فمرحلة الرئيس خوسي ماريا أزنار José María Aznar مثلا الذي وصل فيه الخطاب حول الهجرة من مستوى ربط المهاجرين بالجريمة وتشديد الخناق عليهم الى تسوية وضعيتهم القانونية بضغط شديد من مختلف الفاعلين الاجتماعين ومؤسسات المجتمع المدني، الى جانب ضغط الاتحاد الأوربي. على عكس الرئيس خوسي لويس رودريكس ساباطيرو José Luis Rodríguez Zapatero الذي تواجه داخل الاتحاد الاوربي مع وزير الداخلية الفرنسي Nicolas Sarkozy والمرشح آنذاك لخلافة الرئيس جاك شيراك في 2006، حول جدوى السياسة المشتركة حول الهجرة آنذاك، بفرض تسوية وضعية المهاجرين رغم المعارضة الشديدة التي تلقاها. هما نموذجين للخطاب الرسمي الحاكم حول الهجرة في اسبانيا، نموذج يتزعمه الحزب الشعبي اليميني، ونموذج يتزعمه حزب العمال الاشتراكي الاسباني، الذي تكرر في اطاره العام ومضمونه في فترة حكم الرئيس ماريانو راخوي Mariano Rajoy عن الحزب الشعبي وفي الفترة الحالية التي يحكم فيها بيدرو سانشيس Pedro Sánchezمع بعض التغيرات في الخريطة السياسية ببروز فاعلين سياسيين جدد مثل حزب بوديموس اليساري، حزب سيودادانوس الليبيرالي والحزب اليميني المتطرف فوكس.
تجدر الإشارة ان الخطاب حول الهجرة و خصوصا منه الخطاب اليميني هو خطاب ملغوم جدا يحمل إشارات مغلوطة عن طبيعة هذه الظاهرة و يسعى دائما الى ربطها بكل المشاكل الاجتماعية و مظاهر الانحراف و الاجرام موظفين في ذلك كل القنوات الإعلامية التابعة و الحليفة لنشر هذه الصورة، التي أدت الى تعامل سلبي وغير لائق و أحيانا غير قانوني من طرف مجموعة من مؤسسات الدولة و خصوصا منها الأمنية كمؤسسة الشرطة، التي كانت موضوع شكايات متعددة و استنكارات كثيرة من طرف جمعيات حقوقية و مدنية و نقابية و في بعض الأحيان بعض التيارات السياسية، حول انتهاكها لحقوق الانسان و تورطها في عمليات العنف ضد المهاجرين و كذلك تورطها في حالات التعسف في استعمال السلطة، خصوصا في العشر السنوات الأولى من هذا القرن.
يعرف المجتمع الاسباني حاليا تحولا كبيرا في بنيته السياسية والاجتماعية والمؤسساتية بتمكن حزب اليمين المتطرف فوكس VoX من الحصول على مقاعد مهمة في البرلمان الاسباني ليتحول الى ثالث قوة سياسية على المستوى الوطني، والى قوة أساسية تحدد طبيعة الحكومات المحلية في مجموعة من الجهات بتنسيق مع الحزب الشعبي الاسباني والحزب الليبيرالي سيودادانوسCiudadanos وصلت في بعض الأحيان الى التحكم في هذه الحكومات المحلية وفي خطابها لأنها رهينة دعمه ولأنه يملك مفتاح سقوطها.
المقلق في الامر هو الدعم الذي يتلقاه الخطاب اليميني المتطرف في الشارع الاسباني، هذا الدعم المبني على خطاب الكراهية والعنصرية ورفض الآخر وخصوصا المغاربة والمسلمين، خطاب مبني على التعامل البراغماتي مع الهجرة والمهاجرين. مبني على زرع الحقد وتقسيم المجتمع الى فرق متناحرة. خطاب له تغطية واسعة في وسائل الاعلام بكافة أنواعها بغض النظر عن المواقف في التعامل معه. انه خطاب مغلوط يربط الهجرة بالإجرام والانحراف والإرهاب، خطاب يجعل من المهاجر منافسا في سوق العمل تارة، وعالة على المجتمع لأنه يعيش على المساعدات الاجتماعية تارة أخرى، خطاب يجعل من الأطفال المهاجرين غير المرافقين الى منحرفين ولصوص وقطاع طرق، انه خطاب يربط تهديد أمن المواطنين في الشوارع وفي منازلهم بالهجرة وبالمهاجرين.
المقلق والمؤسف هو ان هذا الخطاب يصل الى شرائح كبيرة من المواطنين، الذي يترجم في آخر المطاف الى اتساع قاعدته الجماهيرية التي تدعم تواجده القوي داخل المؤسسات. خطاب وصل فعلا الى المؤسسات المنتخبة باستعمال بعض التعبيرات العنصرية في مواجهة بعض الخصوم السياسيين نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر التعبيرات التي استعملتها الناطقة الرسمية للحزب اليميني المتطرف فوكس داخل برلمان جهة مدريد في حق البرلماني الاسباني المسلم من أصول سنيغالية خلال دورة انتخاب رئيسة الجهة.
هذه المعطيات تجعلنا نطرح العديد من الأسئلة حول طبيعة الخطاب الذي نريده حول الهجرة والمهاجرين ودوره الطلائعي في قيادة المجتمع:
هل نريد خطابا لمجتمع متسامح يحترم التعددية والاختلاف بين مكوناته بغض النظر عن اللون والاصل والانتماء الديني أو العرقي؟ أم نريد خطابا لمجتمع تتكرس فيه الكراهية والحقد والتوتر الاجتماعي والعنصرية؟
هل نريد خطابا لمجتمع أساسه القانون واحترام حقوق الانسان والعدالة الاجتماعية والمواطنة الكاملة؟ أم نريد خطابا لمجتمع متشاجر وفي مواجهة مفتوحة بين مختلف فئاته الاجتماعية التي تخلص في آخر المطاف الى حوادث مأساوية وتراجيدية نحن في غنى عنها؟
ماهي مسؤوليتنا في التربية والتكوين للحد من مظاهر الكراهية والتغلب على العنصرية؟
ماهي مسؤوليتنا في التعاطي الايجابي مع العمل الذي نقوم به كمؤسسات المجتمع المدني والذي تقوم به باقي المؤسسات الاجتماعية والهيآت الادارية من اجل بناء مجتمع متسامح متعدد الثقافات ومتعايش؟
ماهي مسؤوليتنا في اختيار سيادة القانون واحترام حقوق الانسان والمساواة والعدالة الاجتماعية؟
ماهي رهاناتنا المستقبلية كمهاجرين ومواطنين في التأثير على موازين القوى الاجتماعية والسياسية؟
وسائل الاعلام بكل انواعها، فضاءات التواصل الاجتماعي، الاسرة، المدرسة، الجامعة، الجمعية، النقابة، الحزب السياسي… ونحن المواطنين لنا مسؤولية كبيرة في الإجابة على هذه الأسئلة و البحث عن بدائل فكرا و ممارسة لمواجهة خطاب الكراهية والعنصرية وتبني خطابا بديلا منصفا عادلا في حق المجتمع ككل وبشكل خاص في حق المهاجرين كمواطنين أولا بتمكينهم من نفس الحقوق والواجبات، وثانيا، كفاعلين أساسيين في النمو الاقتصادي والاجتماعي وكضمانة أساسية لاستمرارية مجتمع الرفاهية الاجتماعية والرواج الاقتصادي و الغناء الثقافي.