عندما تخلف الحكومة وعودها
مبارك المتوكل/المغرب
يبدو أن حكومتنا تشكو من مرض عضال خطير كثيرا ما يصيب المسؤولين عندنا ويسمى بمرض النسيان (amnésie). الوعود عند حكومتنا كثيرة وكرمها حاتمي. ماأكثر ما أعطت أحزابها من وعود عندما كانت تتصيد أصوات المواطنين للنجاح في الانتخابات كمفتاح للتربع على مواقع المسؤولية في الجماعات الترابية أو الغرف المهنية أو غيرها من المؤسسات التشريعية ولم لا المناصب الوزارية مع ما يوفره ذلك من إمكانيات الثراء الفاحش والتحكم في خيرات البلاد وتمكين الأحبة والأقربين من المناصب الرفيعة أو إطلاق أيديهم للاستفادة من المال العام عن طريق التبدبد أو الاختلاس المباشر. بذلت الأموال الطائلة لشراء أصوات البسطاء وذوي الحاجات للوصول إلى مواقع السطو على أضعاف ما صرف خلال حملة دامت أياما وفتحت أبواب التبدبد والاختلاس لسنوات. وبما أن لذة الطعام تذكي شهية النهم فلا بأس إذا ما انتشرت الفضائح أن يقدم كبش أو كبشا فداء كعربون على نظافة اليد ومحاسبة المفسدين حتى يسجل التاريخ أن حكومتنا ضحت بمن كانوا رفاقا بمجرد ما تبثت تثبت عليهم مخالفات كدليل على النزاهة ومحاسبة الخطاة ولوكانوا من أقرب الأقربين.
على أن رائحة الفضائح التي أزكمت الأنوف ضيقت الخناق على حكومة الكفاءات بل الفضائح والمفاسد إلى حد صعبت معه إمكانية المناورة والتستر أمام التهم التي بدأت تحوم حتى على من بأيديهم القرار من أعضاء هذه الحكومة. العدل يقتضي أن ينزل العقاب على كل مسؤول ارتكب مخالفة إلا أن المفاجأة كانت التخلص من المحاسبة على حساب قوت المواطن عن طريق اتهام أولائك الذين تحملوا صادقين مسؤولية ضبط المخالفات وكشف مرتكبيها واقتراح الجزاءات ولو في حدود الممكن والمعقول ما داموا لا يملكون سلطة لتنفيذ قناعاتهم. ولعل السيد إدريس الكراوي الذي وجد نفسه معزولا داخل الهيئة التي ترأسها بعد أن طاف على بعض من أعضائها طائف بالليل نبههم إلى أنهم لم يصادقوا على ما اعتبره السيد الرئيس رأي الجميع. لذلك تقررت مراجعة القرار وتعويض الرئيس بغيره ممن يميز بين من يمكن أن يدان ويطالب بتعويض ما اقتطعه عنوة من أقوات الشعب بكل فئاته وطبقاته غنيها وفقيرها. لكن ورغم أن رئيس الهيئة غير بمن هو أكثر منه فهما واحتراما للضوابط المخزنية فقد اضطر إلى الاكتفاء “بتصيحح” الحكم بإقرار غرامة أخف بكثير من السابقة وطوي الملف لتستمر الاستفادة على حساب الجياع الذين بدأت دائرتهم تتسع لتشمل عددا من الذين كانوا يعتبرون من الطبقة الوسطى.
يبدو أن هذه الحالة لن تكون الوحيدة لأن الفضائح عندنا تتناسل لتلد أكبر منها وأعثى. ففي الوقت الذي يحمل فيه السيد وزير العدل على محاربة الفساد ويحاول منع المجتمع المدني حتى من الشكاية موفرا الحماية للمفسدين يفاجأ بموقف مسؤول آخر كلف بعد حملة إعلامية صاخبة بمحاربة الرشوة والفساد يصرح في استجواب صحفي كاشفا المستور ومؤكدا أن الفساد الذي ينخر جسم الوطن قد عم كل مجالات الحياة وأن الرشوة متأصلة في العلاقة التي ربطت المواطنين بالمخزن. هل نعتقدون أن هذا التصريح سيمر مر الكرام؟ نتمنى ذلك وإن كنا نخشى أن يسلك بصاحبه نفس الطريق التي سلكها السيد إدريس الكراوي قبله مما سيؤكد أن دار لقمان ستبقى على حالها إلى حين .
ويبقى السؤال هو : ما المخرج من هذه الفضيحة التي لا تكتفي بأن تتهم أفرادا بل تطال نسقا بكامله ؟ وعن أيتها أسباب سيبحثون ليخففوا من حدة تصريحات السيد محمد بشير الراشدي وقد كان تصريحه واضحا. إن تتبع مسلسلات ومواقف الوزراء سيوصلنا إلى نتيجة تؤكد أن هذه الحكومة لم تتردد في السطو على ممتلكات المواطنين نشيطين كانوا أم عاطلين. فقد تم الاعتداء على حقوق الإجراء بحرمانهم حتى من حرية الدفاع عن حقهم أو التعبير عن غضبهم عن طريق توظيف أغلبية برلمانية يعرف الجميع الطرق التي اتبعت لإيصالها إلى مؤسسة استعملت للسطو على السلاح الوحيد المتوفر لدي الطبقة العاملة للدفاع عن حقوقها أمام رأسمال شرس يسعى إلى العودة بالبشرية إلى عهود الرق البائدة وأمام دولة تأتمر بأوامر مراكز الهيمنة الأمبرالية التي تسعى ألى إخضاع الكون كاملا إلى إرادتها . أمام هذا الثالوث المتجبر لن تجد الطبقة العاملة ملاذا غير اللجوء إلى السلا ح الوحيد المتوفر لديها وهو “التوقف المدبر عن العمل” وفق التهمة التي كان مناضلو الكونفدراليةالديمقراطيةللشغل يحاكمون بها عندما كان مثل هذا القانون غائبا. أي لم يحاكم الإضراب كحق كان الدستور يكفله وتضمنه المنظمات الدولية ذات الاختصاص لذلك تم تجريم ما وصف بالإمساك عن بيع قوة العمل الضرورية لإدارة وتحريك عجلات الإنتاج .
أما الآن وقد أصبح حق الإضراب محتجزا فقد أصبح في إمكانية الرأسمال “الوطني” أن يتطلع إلى العودة إلى عصور الرق المظلمة عملا بالقول المأثور “العبد وما ملك لسيده” وحيث أن عهد الرق قد ولى كما تولى عهد الاستعمار لكن نسخته (الاستعمار الجديد)قد اتخذت مع الهيمنة الامبريالية صغة جديدة بحيث لم يعد استعمار دولة لشعب مبررا بدعوى التحضير والتنوير بل أصبح التحكم في ما تنتج الأرض وما يخفيه باطنها ملك لمراكز الهيمنة وأدواتها الأخطبوطية المتعددة الأسماء منها المحلي المسمى وطنيا وإن لم يكن له من الوطنية إلا رقم بطاقة التعريف لأن ممارسته لا تمث للوطنية بصلة، ولكنه مجرد محصل في خدمة المؤسسات الدولية الخاضعة بدورها للتحكم الأمبريالي. وحيث أن لكل خادم أجرا فمن الطبيعي أن لا يكتفي الخدم والخزنة بما يترك لهم من فتاث، لذلك تجدهم وقد عجزوا أن يقتطعوا من ما سخروا من أجل تحصيله يلجئون إلى أرزاق الناس وإلى ما وكلوا على ضبطه وتسخيره لمستحقيه للتصرف فيه سرقة أو غصبا. ولدينا أمثلة نستطيع إن نسرد منها على الأقل نموذجين صارخين .
1) فلجوء الحكومة إلى التطاول على حق يكفله الدستور المغربي كما تكفله المواثيق الدولية ذات الاختصاص وإخضاعه للتقزيم والتقليص المفضي في نهاية المطاف إلى حرمان الطبقة العاملة من الدفاع عن حقوقها بمصادقة برلمان أغلبيته مفبركة على المقاس على (تنزيل)قانون يكبل حق الإضراب دون إشراك المعنيين ومنظماتهم النقابية في إعداده ولا نقاشه ما هو إلا استمرار لما سبقه
2)تعددت أنظمة التغطية الصحية حسب الإدارات ومؤسسات الإنتاج والخدمات،ولكن المدني منها خاضع للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي بالنسبة للقطاع الخاص والصندوق الوطني لمنظمات الاحتياط الاجتماعي بالنسبة للقطاع العام. وحيث أن التغطية الصحية بواسطة النظام التعاضدي استنساخ للنظام الفرنسي الذي وضع في الأصل من أجل الموظفين العموميين الذين كان أكثرهم فرنسيين فقد تم الاحتفاظ بنفس النظام في عهد الاستقلال الشكلي. أما نظام التغطية الصحية الإجباري الذي يشرف عليه الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي فنظام مستحددث ويهدف إلى تعميم التغطية الصحية ليحرر الدولة من تحمل تمويل الصحة العمومية كخدمة اجتماعية مع العلم أن تغطيته لنفقات العلاج أقل من تغطية الصندوق الوطني لمنظمات لمنظمات الاحتياط الاجتماعي(cnops) لذلك ارتأت الدولة أن توحد وتعمم التغطية الصحية على عموم المواطنين لتتحرر من عبء الصحة كخدمة عمومية ولكن عوض أن ترفع الأدنى إلى أعلى فضلت أن تنزل الأعلى إلى أسفل بجمعه بيد الضمان الاجتماعي (cnss)للتخفيف من نفقات الدولة بل ربما لتوفير فائض من هذه الصناديق يضاف إلى التمويل المبتكر الذي اهتدت إليه عبقريةالمشرفين على مالية وميزانية الدولة .
إذا ما استطاعت الحكومة أن تنجح في تمرير مخططها فيما أسمته إصلاح انظمة التقاعد فإننا لا نشك في أنها ستسعى إلى إتمام ما بدأته حكومة السيد بنكيران السيئة الذكر عن طريق مواصلة التعامل مع المتقاعدين كمتلاشيات بشرية لا تستطيع التخلص منها ولكنها لن تتحمل متطلبات شيخوختها مع ما تقتضيه تلك الشيخوخة من نفقات على صحة ساهمت الأمراض المهنية في الكثير منها ويساهم تقدم العمر في استفحالها.