المشروع الجامعي بقلعة السراغنة بين الجهل و التجاهل
البدالي صافي الدين/ المغرب
ظل شباب قلعة السراغنة منذ ثلاثة عقود ينتظرون تحقيق بناء جامعة بمدينة قلعة السراغنة، لعدة اعتبارات منها: – الاعتبار الأول هو تزايد عدد الناجحين في الباكالوريا سنة بعد سنة، بفعل ارتفاع عدد المؤسسات الثانوية بالإقليم و إقبال أبناء وبنات الوسط القروي على التعليم الثانوي من أجل الولوج الى التعليم الجامعي، و قد تحملت الدولة تكاليف بناء هذه المؤسسات استجابة لمطالب الآباء والمجتمع المدني والهيئات السياسية والنقابية، لكن وبالمقابل تزداد معاناة الطلبة وأوليائهم، سنة تلو الأخرى، في البحث عن السكن في المدن الجامعية المغربية و في الغالب بدون منحة.
أما الاعتبار الثاني، هو كون إقليم قلعة السراغنة من الأقاليم التي ظلت تعيش حصارا ثقافيا منذ الاستقلال حيث كان أبناء مدينة قلعة السراغنة محرومين من التعليم الثانوي إلى حدود منتصف الستينات. و كانوا من قبل يوجهون الى ثانوية ابن حجاج بسيدي رحال أو إلى مراكش على حساب آبائهم، مما جعل العديد من مغادرة الدراسة في بداية الطريق، أما الفتيات فلا حظ لهن في التعليم الثانوي في هذه الحالة إلا بعض الاستثناءات لظروف اجتماعية (بنات ميسورين أو أعيان ). و لم تعرف مدينة قلعة تعليما ثانويا متكاملا بما فيه داخليات إلا في أواخر السبعينات 78 – 79 )، حيث انطلاق الدراسة بثانوية مولاي اسماعيل ثم ثانوية تساوت. و لم تتحقق عملية تنزيل التعليم الثانوي بالقلعة إلا بفعل تدخل عدد من شرفاء المدينة ومثقفيها و بفعل النتائج المعتبرة التي يحققها تلاميذ قلعة السراغنة في امتحانات الباكلوريا،خاصة في الشعب العلمية.
إنه قرار ناتج عن الوعي بدور التعليم بالنسبة للإقليم و عن النضج الفكري للمسؤولين حينها من سلطات ومنتخبين حيث لم يكن مشكل العقار حاجزا من أجل إنشاء مدارس ابتدائية و ثانوية بالمدينة، لأن الإرادة السياسية كانت أقوى من أية قوة تحول دون تحقيق حق من حقوق الإنسان، الذي هو الحق في التعليم. و بجب التذكير بأن أبناء هذا الإقليم لن ينال منهم الجهل الذي أصبح سمة بعض المنتخبين و المسؤولين الحكوميين، لأنهم يتحدون متاريس المؤامرة لبلوغ أعلى الدرجات في العلم والتعلم على حسابهم خارج الإقليم، و يذكرنا هذا المشهد بما ظلت تعرفه مدينة قلعة السراغنة من التهميش على مستوى التعليم منذ سنة 1947، وبالضبط لما تقرر تأسيس مؤسسة التعليم الثانوي بسيدي رحال فاتح أكتوبر (1958)، اصطلح على تسميتها ابن الحجاج، لتكون بذلك أول إعدادية تأسست بدائرة القلعة زمران، لما اعترض على تأسيسها بمركز قلعة السراغنة قبل هذا التاريخ، أي في فترة الاستعمار من طرف أحد قياد الاستعمار بالمنطقة و معه بعض الأعيان بدعوى حماية أبناء القلعة من “الفرنسيين”، لما اتجه ابناء قلعة السراغنة إلى مدن أخرى لمتابعة دراستهم بعد حصولهم على الشهادة الابتدائية، أصبحوا أطرا كبرى. و أصبحنا الآن نعيش نفس الحالة النفسية والحرمان من التعليم الجامعي بالمواصفات الوطنية و الدولية كما عشنا ذلك أثناء الاستعمار الفرنسي وكذلك في ظل الاستقلال .
إن ما نعيشه حاليا من تبريرات حول تعثر المشروع الجامعي المنتظر من قبل صعوبة الحصول على العقار هي مبررات واهية و هروب الى الأمام، مما يدعو إلى الاستغراب. فكيف يحصل المضاربون العقاريون على العشرات الهكتارات في ظرف وجيز من الزمن؟ و كيف أن المجلس الإقليمي و المجلس الجهوي، حيث هناك ممثلون عن المدينة ألا تكون الكلمة في هذا الموضوع لصالح الإسراع بالمشروع ؟ هل هو ضعف في الترافع لصالح المدينة من أجل المشروع الجامعي؟ أم أن هناك طغيان الجهل والأمية السياسية والثقافية في تدبير الشأن المحلي؟ أم أن هناك البحث عن منافع شخصية و البحث عن إثراء غير مشروع من خلال سماسرة العقار بالمدينة ؟ هي أسئلة تحتاج إلى بحث عميق من أجل تحديد المسؤولية ومحاسبة الذين ظلوا يقفون ضد هذا المشروع منذ ثلاثة عقود.