شعب بكت من قهره الشعوب
البدالي صافي الدين/المغرب
قال الشاعر المتنبي” يا أمة ضحكت من جهلها الأمم ” و هو الشطر الثاني من قصيدته المشهورة التي هجا فيها كافور الإخشيدي، و كان يعني في عمقها انصراف المصريين إلى الاهتمام بحلق الشوارب بذل مناهضة حاكم فاسد . وقد شاطره في ذلك الشاعر أبو العلاء المعري. و نحن” نقول ياشعب بكت من قهره الشعوب “.
إن مناسبة هذا القول تأتي في سياق ما نحن فيه في هذا الظرف وما تفعله حكومة أخنوش بهذا الشعب، الذي جعلت منه شعب التطبيع مع الفساد السياسي و الغش و الرشوة الفساد الأخلاقي والبحث عن منافذ الريع.حتى أن منه من يلبس قميص المدافع عن أغلبية حكومية حولته الى شعب متسول. شعب مكسور الجناح لا يستطيع الطيران بالرغم ما تحت أرضه التي يمشي عليها من ثروات هائلة من الذهب الفضة و النحاس و الفوسفاط الزنك و الغاز، أي ثروات منها ما هو معلوم ومنها ما هو مجهول، لكنه رغم ذلك يعيش الفقر و الجهل و الأمية. فمعدل البطالة يرتفع سنة بعد أخرى، حيث وصل إلى 12.4 بالمئة في الربع الثاني من عام 2023 ، و معدل الفقر المطلق ارتفع من 3 في المائة سنة 2021 إلى 4.9 في المائة سنة 2022 على الصعيد الوطني، و تكلفة خدمة الدين الخارجي برسم العام الجاري وصلت 6.6 مليارات درهم وفق ما تنص عليه مقتضيات قانون مالية 2023.
لقد أشار تقرير ” منتدى دافوس العالمي للاقتصاد” إلى أن ” أكبر خطر يهدد المملكة المغربية خلال العام 2023، هو ارتفاع تكلفة المعيشة “. و أمام تغلغل الفقر تتحدث الحكومة عن نفسها بأنها حكومة اجتماعية ستعمل على تقليص مستويات الفقر، لكن بعض المؤشرات تشير إلى أن هناك إخفاق في معالجة الأمر، لأن سوء التدبير و الارتجالية و الفساد جعل نسبة الفقر ترتفع في السنوات الأخيرة وأصبح التفاوت بين الطبقات الاجتماعية يزداد عمقا و نسبة
الفقر تزداد ارتفاعا. وهذا ما يفند ادعاءات “الحكومة الاجتماعية” لأنها لم تهتم بالطبقات الاجتماعية الهشة و اهتمت بمصالحها الخاصة و حماية مظاهر تبديد المال العام والفساد إلى حماية لوبياته و تقوية نفوذها ونفوذ لوبيات المال والشركات المتعددة الجنسيات و شركات المحروقات ، تاركة الشعب تأكله الذئاب البشرية التي استولت على كل شيء، حتى أصبح الفقر يشكل ظاهرة متعدّدة الأبعاد، البعد النفسي و البعد السيكولوجي و الثقافي الأخلاقي و السياسي، مما ينذر بمخاطر اجتماعية غير بعيدة، لأن جفاف الطبيعة و الجفاف السياسي مؤشرات ترمي إلى خطورة ارتفاع الفقر.
رغم أن بعض المؤسسات الدولية مثل البنك الدولي الذي يحدد عتبة الفقر على أساس الدخل أي بـ1.90 دولار أميركي في اليوم. لكن هذه الاسقاطات الرقمية لم تكن منسجمة مع تعقيد الفقر الذي أصبح مدقعا ببلادنا و تأثيره الواسع النطاق على سيرورة الحياة العامة للمجتمع. لأنه فقر أرخى بظلاله على البلاد رغم ما له من ثروات طبيعية هائلة توجد في بره وبحره و في باطنه و سطحه، وفي مياهه وجباله الممتدة من شماله الى جنوبه و من شرقه الى غربه . هي ثروات متنوعة وزاخرة يفترض أن تمكِّن البلاد من العيش الكريم لكل افراده و ألا يكون هنالك فقر و لا تبعية و لا اقتراض و ارتفاع في الأسعار و لا بطالة و لا جهل و لا تبعية. لكنها تتعرض للنهب والسرقة من طرف لصوص نافذين في الدولة وشركات أجنبية تحميهم الحكومة المغربية. فهي ثروات تتعرض لسوء الاستغلال و إلى الاستنزاف اليومي أمام أعين الشعب الفقير . مما يعجل بنبوضها و شحها. بل حتى المياه التي هي ملك عمومي، كما تنص على ذلك المادة الأولى من قانون الماء “المياه ملك عمومي، ولا يمكن أن تكون موضوع تملك خاص”. استولت عليها شركات خاصة تقوم باستنزاف هذه المادة الحيوية و الضرورية للحياة، لتحقق أرباحا تتجاوز ملياري درهم (حوالي200 مليون دولار) في السنة، بإنتاج سنوي يصل إلى 430 مليون لتراً من الماء. إن الابتلاء التعسفي على هذه الثروات من طرف أقلية لا تتجاوز 10٪ تملك 63٪ من الثروات الوطنية ، و هي أقلية تزداد إثراء غير مشروع على حساب الأغلبية الساحقة من الشعب. إن خطر الفقر يلاحق بلادنا في غياب تغيير جذري على جميع المستويات ، وإلا سيظل شعبنا “شعب تبكي من قهره الشعوب “.